(وداعاً) كانت آخر كلمة خطها الشاب (ن-ع) على صفحة ورقة بالية قبل أن يضع حداً لحياته غرقاً في النيل، والكلمة لم تحمل في مضمونها تفسيراً لقدوم الشاب نحو الانتحار، لكنها حفرت عميقاً في قلوب وجوانح كل من له علاقة بالشاب المنتحر. (ن-ع) لم يكن فريد زمانه في اختيار إنهاء حياته بتلك الطريقة المأساوية مخلفاً وراءه دموعاً وآهاتٍ وأنيناً، فقد ظلت الأخبار تحمل بشكل راتب حالات انتحار وسط الشباب من الجنسين لأسباب مختلفة، ذلك ما عضده تقرير منظمة الصحة العالمية حول نسبة الانتحار في الدول العربية، وربما كان صادماً أن يكون السودان في مقدمة القائمة مسجلاً أعلى نسبة انتحار بين الدول العربية بنسبة بلغت (11,5) لكل (100) ألف نسمة . هذه النسبة المفاجئة لكثير من المراقبين والمختصين أثارت جدلاً ما بين صحة التقرير والمبالغة فيه . وبينما شككت وزارة الصحة ولاية الخرطوم في الأرقام ومصدر الدراسة، مؤكدة عدم وجود دراسة علمية ورجح خبراء صحة الدراسة لوجود أسباب اقتصادية ونفسية واجتماعية، قالوا إنها ترفع من نسبة الانتحار. وقال د."المعز حسن بخيت" الناطق الرسمي باسم الوزارة ل(المجهر)، إن نسبة الانتحار لاتصل لهذه النسبة في السودان، قائلاً معنى هذا أن حالات الانتحار تصل إلى (3450) حالة سنوياً من جملة (30) مليون مواطن إذا صح تقرير المنظمة، مؤكداً أن حالات الانتحار في إسرائيل والعراق وسوريا في السجون فقط تفوق الانتحار في السودان. واعتبر"المعز" ما نشر من دراسة مجرد لفحة إعلامية حسب وصفه، لكن يرى البروفيسور "علي بلدو" استشاري الطب النفسي أن هذه الإحصائية لا تعكس إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة، نسبة لصعوبة الوصول إلى إحصائيات دقيقة بسبب الوصمة الاجتماعية وفقدان الدراسة الطبية النفسية، والتي قال إنها تجعلني أقدر العدد الحقيقي بأضعاف أضعاف هذه النسبة. وبحسب د."بلدو" فإن تزايد حالات الاكتئاب والإدمان والقلق ومرض الفصام (الشزوفرنيا)إضافة إلى اضطرابات الشخصية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتفشي روح العطالة وعدم الاستقرار الأسري، جنباً إلى جنب مع الهجرة والهجرة العكسية والتفكك الأسري والتي قال إنها لعبت أدواراً مهمة في تشكيل هذه الظاهرة. ويمضي د."بلدو" بعيداً في حديثه ل(المجهر) ليؤكد أن الشعور بالغبن وعدم القدرة على تحقيق الذات والذي ولَّد حالة نوبات الإحباط واليأس والعنف الموجه نحو الذات والتي جعلت الكثير من الناس من مختلف الأعمار، من سن ال(6) إلى (96) عاماً وأكثر من ذلك يلجأون للانتحار لوضع حدٍ لحياتهم، وهذا بدوره يولد نوبات جديدة من الانتحار السالب والإيجابي والانعكاسي ويمثل نموذجاً لمن تراودهم الفكرة، بحيث يمكن أن نقول إننا موعودون بأعداد ضخمة من المنتحرين مستقبلاً. وتقتضي المعالجة بحسب "بلدو" توفير مواعين الصحة النفسية والاهتمام بها وتسهيل الوصول لمكاتب الصحة النفسية، وبسط مكاتب الإرشاد الاجتماعي والدعم النفسي وإزالة الخوف من الطبيب النفسي والمعالج النفسي، هذا وإلا فإن العام القادم سيكون هو عام انتحار المواطن السوداني في ظل تراجع الصحة النفسية حالياً. وبحسب تقرير صادر عن مستشفى الأذن والأنف والحنجرة يؤكد إصابة (827) بحالة تسمم بمادة الصبغة، وشكلت حالات الإصابة بين الإناث أعلى النسب، حيث بلغت إصابتهن (702)حالة و(125) حالة وسط الذكور.. وبلغ عدد الوفيات (7) إناث.. و(3) ذكور. وأكد ذات التقرير المُشار إليه أن الفئات العمرية للإناث من عمر (15 إلى 24) عاماً تعد أكثر الفئات تعرضاً لإصابات التسمم والتي بلغت (453) حالة بالصبغة، حيث انخفضت إصابة الذكور إلى (51) حالة في ذات الفئة. وذكر تقرير الصحة العالمية أن أعلى نسبة للانتحار في العالم سجلت بدولة غويانا (44.2) من أصل مائة ألف نسمة، تلتها على التوالي كل من كوريا الشمالية (38.5)،وكوريا الجنوبية (28.9). واحتلت سيريلانكا المركز الثالث بنسبة (28.8)، متبوعة بليتوانيا (28.2) وسورينام (27.8). وبلغت النسبة في دولة جنوب السودان (19.8)، فيما تقاسمت كل من روسيا وأوغندا النسبة نفسها (19.5)، واليابان (18.5). وفي حين سجل السودان أعلى معدل انتحار في الدول العربية تلته جيبوتي (10.7) وجزر القمر (10.5)، فإن المملكة العربية السعودية سجلت أقل نسب الانتحار على مستوى الوطن العربي والعالم، بنسبة (0.3) لكل (100) ألف نسمة تلتها سوريا ولبنان. وذكر تقرير منظمة الصحة العالمية، أن أكثر من (800) ألف شخص ينتحرون سنوياً على مستوى العالم بمعدل شخص كل (40) ثانية. ويلجأ كثير منهم لاستخدام السم أو الشنق أو إطلاق النار لإنهاء حياتهم، وأن أعلى نسب الانتحار سجلت بوسط وشرق أوروبا وآسيا.