عرفت الدكتور الطبيب (سليمان عبدالقادر فقيه) أبان الصبا إذ كنا نطلق عليه طبيب العائلة نذهب جميعاً كباراً وصغاراً - طلباً للشفاء في عيادته في شارع الغزة في مكةالمكرمة فيستقبلنا استقبالا حميماً وبتواضع جم لا يشعرك بانك امام طبيب ، وانما أخ أكبر منك يتحسس مشاعرك وما يوجعك فيطلب منك وصف ما تشكو منه من الآلام ثم يطلب منك الاسترخاء على السرير فيأخذ درجة حرارة الجسم بنفسه ويستمع الى النبض ويمرر سماعته بهدوء ويضرب بمطرقته على الركبتين فيضغط على البطن بخفة تامة لا تشعر بألم يأمرك بالمثول بعفوية امامه، فيصف الوصفة (الروشتة) التي لا تتجاوز في اغلب الاحوال ما يصفه علاج دوائي سوى اثنين او ثلاثة مع قطرة للعين أو الانف واذا كنت في حاجة الى حقنة "ابرة" في العضل لخفض درجة الحرارة المرتفعة او لوقف اسهال او طراش أو آلام المعدة قدم لك الحقنة مجاناً بلا مقابل! وحينما تهم بوداعه يطلب منك احضار الادوية التي وصفها لعلاجك ليتأكد بنفسه انها الادوية الموصوفة لك بالفعل مع تواريخ صنعها! ويكتب ايضا بنفسه عدد مرات تناول كل دواء على حدة! وفي احدى المرات سمعت جلبة وأنا اهم بالدخول الى عيادته فسمح لي بالدخول ولم يسمح لشخصين يحملان كل منهما حقيبة يد من الحجم الكبير ! عرفت فيما بعد ان بداخلها مجموعة من الادوية يرغبان كليهما في تسويقها على المرضى عن طريق بعضها الطلب عليها والبعض الآخر على وشك انتهاء صلاحية استعمالها! فقاطعته : تقصد وصفها لمرضاك بدون مرض ! فهز رأسه بغضب! واضاف : هؤلاء لا يخافون الله! ومن اعماله الطبية الخيرية التي - لاتزال - عالقة بالذهن ما اشارت اليه عمتي الفاضلة ام همام (مزين خالد حقي) حرم عمي الاديب احمد عبدالغفور عطار الذي نقل الى مستشفاه على شارع فلسطين بالحمراء بصفة عاجلة وفجأة عندما شعر رحمه الله رحمة واسعة بدوار وارتفاع في ضغط الدم ودرجة الحرارة طلب منها شخصياً ان تطهو بنفسها ما اعتاد عليه العم احمد تناوله من اطعمة في وجبات الافطار والغداء والعشاء في مطبخ المستشفى في اي وقت تراه مناسباً. وابلغ ادارة المستشفى بانه يتكفل شخصيا بكافة تكاليف العلاج ومستلزماته من دواء وتحاليل واشعة. وعندما اتصل مكتب صاحب السمو الملكي الامير عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود مفيداً ان علاج العم احمد واقامته في المستشفى على حساب سموه الخاص، اعتذرت ادارة المستشفى بلباقة ان صاحب المستشفى تكفل شخصياً بكافة تكاليف الاقامة والعلاج والدواء. مبادرات الفقيد - رحمه الله رحمة واسعة - في العمل الطبي الخيري كثيرة يعرفها القاصي والداني فلم يتردد في تحقيقها لكل من اتصل به طالباً العون او المساعدة سواء لمن طلب تخفيض (فاتورة) تكاليف العلاج او الاقامة او عدم مقدرته على شراء الادوية الغالية الاثمان او من ذهب الى طوارئ المستشفى على حين غرة ، وليس في حسبانه الى انه في حاجة الى كشف تنويم علاج ودواء يفوق مقدارته الشخصية فبمجرد ان يحاط بهذه الحالات او سواها يبادر - لا شعورياً - وبطيب خاطر الي - والى التفاعل معها بصدق وامانة واخلاص حتى ان هناك حالات تكفلها على حسابه الخاص وهكذا كان ابن مكة البار عطوفاً محباً للناس يساعد المرضى والمحتاجين في اجراء العمليات الجراحية وعلى وجه الخصوص جراحة القلب المفتوح الذي تميز به مستشفاه الذي يعد ايضا اول مستشفى القطاع الاهلي يجري عمليات زراعة النخاع. وتفرد رحمه الله بمروره اليومي صباح كل يوم على غرف المرضى ويتابع حالاتهم المرضية بنفسه ويطلع على علاجهم المعطى لهم وعندما يتغيب عنهم بداعي السفر يفتقده مرضاه ويشعرون بفراغ الا ان التحدث معهم عن كثب يخفف عنهم ما يكون منه ويدخل الاطمئنان والطمأنينة اليهم. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وانزل عليه شآبيب غرفانه واسكنه فسيح جناته وآلهم اهله واسرته وذويه الصبر والسلوان و"إنا لله وإنا إليه راجعون".