الوصفُ غرضٌ من أغراض الشعر العربي ، والذي لاتكادُ تخلو قصيدة من قصائد العرب منه ، وهو ركيزة من ركائز الشعر، وموطن جمال فيه ، وقد درج العرب على وصف الخيل ، ووصف طول الليل ، ووصف الصيف والصحراء وسرابها ، ووصف الشتاء وزمهريره ، ووصف السلاح ، وقد برع كثيرٌ من الشعراء في الوصف وتفاوتوا فيه ، فهو يخدم المدح والرثاء والغزل والفخر، وان قال قائلٌ بإن العرب قد كتبوا الوصف في الشعر لغرض الوصف فلم يصدق ، فقد كان في الغالب خادماً لغرض القصيدة ولا يُجاوزُ غرضها الأساسي الا ماندر، كوصف الربيع والبحيرة وجماليات الطبيعه ، وللوصف اساسان لا ثالث لهما (الحسّي ) و (الخيالي) . أما في الشعر الشعبي فقد درج بعض الشعراء على وصف الراحلة الحديثة( الجيب) ولاننكر عليهم ذلك بل انه من جماليات الشعر ولكن ننكر على البعض الإسهاب في الوصف الدقيق ، والإنحراف عن الوصف الفيزيائي للغرض الذي وُجدت من أجله المركبة الى وصف المركبة (ميكانيكيا) وتسخير الأبيات لذلك وحشوها بتفاصيل لاتخدم الشعر مثل الدخول الى (كبّوت) المركبة ووصف عدد المسامير والسلندرات وكيفية عمل السلندر، ووصفو حتى رائحة مراتب السيارة وهي جديدة فلم نجد من شعراء العرب من وصف رائحة الخيل لان ذلك انتقاصاً لشعره في الأصل ، وقد تطرقوا لمواضيع تُشعرك ان الغرض هو حفظ اجزاء السيارة اكثر من وصف طريقة سيرها والذي هو أولى بالوصف ، وبعد ان يفرغ الشاعر من هذا كله يقوم متعجباً ب (لعن) الكافر او المشرك الذي صنع هذه المركبة ،وهذا بإعتقادي الشخصي المتواضع ماهو الا حشو لايخدم الشعر او القصيدة فجميعنا نُحب (الجيب) ولكن ذكر وتفصيل عدد المسامير فيها لايعنينا شعريا ولا يخدم الأدب ، اما طريقة عملها فيزيائيا فهو جمالية من الجمال ولا أرى في ذلك بداً من التطرق له ، فالشاعر إمريء القيس عندما وصف فرسه لم يتعد حدود الوصف لديه الى ماتحت جلد الدابة ، بل قام بوصف عدو الخيل فيزيائيا وشبه خصره بخصر الظبي وساقيه بساق النعامة وسيره بسير الذئب وعدوه بعدو الثعلب والأهم انه جمع هذه التشبيهات الأربع في بيت واحد فقط ولم يجعلها في اكثر من عشر أبيات كما يفعل البعض ، فقد قال : له أيطُلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ وإرخاءُ سِرحانٍ وتقريبُ تتفلِ والأهم من ذلك ومربط الفرس في الموضوع كلّه ان إمرأ القيس كان فارساً من فرسان العرب وصف وأجاد وكما قيل (الخيل من خيّالها) ، أما الشعراء المكيانيكيون فأغلبهم يصف المركبة ومساميرها وليته هو من صنعها او ليته يستطيع إصلاح أقل خلل في المركبة اذا تعطلت .