كان مجلس الرجل العجوز هذه المرة مشغولاً ببعض الوجوه التي كان يسمع عنها كثيراً في البلدة والرجل العجوز يأخذ مكانه المعتاد في وسطهم كأنه استاذ في حلقة الدرس. أخذ الشاب مكانه في هدوء وراح يتابع ما يدور من حوار بين العجوز وضيوفه الذين كان يسمع عن مكانتهم ويعرف كثيراً من تفاصيل حياتهم وإن كان لم يسعد بالاجتماع بهم عن قرب وفجأة التفت إليه الرجل العجوز قائلاً: لماذا أنت صامت اليوم؟ ألا تشاركنا حوارنا؟؟ فقال الشاب وهو يرسل نظراته إلى تحت قدميه حياء: لا ينبغي لمثلي أن يتحدث أمام هؤلاء الذين لا تتكرر الفرصة في التعلم منهم. سر العجوز بما سمع ولكنه قال له إن هؤلاء في حاجة إلى أن يسمعوا ما تقول فأنت تمثل جيلك وأنتم مستقبل البلاد.. فقال الشاب: لكنني لم أعرف ما يدور عليه حواركم.فقال احد الجالسين وهو رجل وقور تخطى الستين من عمره: إننا نتحدث عن بعض الظواهر التي بدأت تظهر في مجتمعنا.. وما كنا نعرفها في السابق.. تساءل الشاب مثل ماذا؟ فقال العجوز: كثير خذ عندك ظاهرة السفر الجماعية هذه إلى الخارج وما تحمله من مضار اقتصادية.. وسلوكية، ظاهرة السائقين الذين يتولون شؤون الأسر في غياب رب الأسرة وما لهذا من ضرر لا يخفى.. ظاهرة الخدم في المنازل وكل أسرة تحرص على أن يكون عندها أكثر من خادم وخادمة حتى اصبح هناك خدم في البيوت أكثر من اصحاب هذه البيوت. فقال الشاب مقاطعاً العجوز: لقد سمعت وصفاً جيداً عن ظاهرة الخادمات في المنازل.. فقال أحد الجالسين ماهو؟ فقال الشاب: يطلقون عليها (العمالة الناعمة) نظر العجوز في وجوه الجالسين كأنه يستفسر منهم عن معنى هذه الجملة (العمالة الناعمة). فأدرك الشاب ما يدور في رأس العجوز: فقال له: المقصود بها (الخادمات) اللاتي يعملن في البيوت. فقال أحد الجالسين: إن هذه العمالة وإن كانت في مظهرها ناعمة إلا أنها (لادغة) فتساءل آخر: ماذا تعني بكلمة (لادغة)؟ فقال الشاب وهو يحاول أن يكون أكثر تركيزاً في كلامه: اعتقد أن المعنى في هذه الكلمة واضح فهذه النعومة تشكل خطراً لا تحمد عقباه.. فهؤلاء هن القيمات الآن على رعاية أطفالنا يتغذى الطفل على ايديهن طعاماً وعادات وأسلوب تفكير.. إن هؤلاء المنتشرات في البيوت الآن يحملن على أيديهن كل أساليب قتل الخير في داخل الطفل ليخرج لنا جيل فاقد لكل بذور الخير في نفسه.. فقال آخر للشاب: الا تعتقد أن هناك مشاكل اخرى لهذه العمالة. فقال العجوز: بدون شك هناك مشاكل كثيرة وربنا يرحم أيام زمان يا استاذ أيامنا الحلوة.. كانت المرأة ست بيت بحق وحقيق كانت ترفض ان تشاركها اخرى في تربية أبنائها أو في اعداد طعامها.. كانت تفتخر بانها سيدة بيت من الطراز الاول كانت الخادمة في السابق ان وجدت مهماتها محصورة جداً في الكنس أو الغسيل فقط.. على عكس الآن كل شيء الخادمة هي المسؤولة في البيت وسيدة البيت لا تعلم شيئا عما يجري في داخله. فقال الشاب: الملاحظ أن الحرص على وجود خادمة أو أكثر أصبح مظهراً اجتماعياً لا يجب إغفاله او التساهل فيه وأن كانت بعض الحالات تفرض وجود خادمة أو أكثر فقال آخر إن قضية المظاهر الاجتماعية للسيدات تخطت (الخادمة) في البيت إلى وجوب وجود سائق تحت تصرفها ومن شروطها أن تكون السيارة على مستوى معين من الفخامة في الشكل والموديل. فقال العجوز وهو يفرك يديه ربنا يرحمنا برحمته يا جماعة. فهذه النعم تحتاج إلى الشكر وشكر النعمة لا يكون بهذا التصرف الذي نحن عليه الآن.. فقال الشاب وهو يحاول الانصراف ما هو السبيل إلى الخلاص من هذه المشكلة. فقال العجوز: الحل في يد الرجل الذي ينصاع باستمرار لطلبات زوجته.. فلابد أن يكون الرجل رجلاً لتكون المرأة امرأة لها صفاتها. قال أحدهم وهو يشير إلى الشاب الذي غادرهم للتو. إن هذا الشباب نموذج للشباب الواعي. فقال العجوز وهو يتحرك في مجلسه أنه شاب مجادل.. ولكنه يجادلك بوعي.. يعرف ما يريد. فقال آخر: لقد أسعدني نقاشه للعمالة الناعمة هذه.. وان كنت أرغب في المزيد من نقاشه فهناك مخاطر كثيرة جداً لابد من طرحها ومناقشتها لنضع لها الحلول فلازال الوقت مبكراً لكي نستطيع أن نعالج كثيرا من هذه الأخطار.. فقال العجوز: لا عليك ليكن حوارك معه قائماً في الاسبوع القادم فهو قادر على مناقشة كل ما تطرحه عليه فهو شاب مخلص.. وأنا من أشد المعجبين به. فرد آخر: ويبدو أنه هو أكثر اعجاباً بك ايضاً. نظر إلى ساعته كانت تجاوزت الواحدة صباحاً، عندها وقف الرجل العجوز قائلاً: هذا وقت السحور قد قرب ايه رأيكم تشاركونا اياه هذه الليلة. تمتمت (البشكة) بالشكر وتسللوا ذاهبين.