محمد حسن فقي عندما قال ذلك الشاعر الكبير: "النهى بين شاطئيك غريق" كان يمتح من داخل وجدانه ذلك الحب المغرق فيه حتى الثمالة.. ليأتي شاعرنا الكبير الآخر فيعطينا من دفق مشاعره نحوها بما هي جديرة به .. فذهب في وصفه في أجمل موقع لها بذلك البيت الذي يقول فيه: وعَزَّا فَرائِضاً ونَوافِلْ بَيْنَ أُمِّ القُرى وطَيْبَةَ مَثْواكِ لقد ذهب شاعرنا في مشاعره مذهباً غاية في الصدق والذوب في ربوعها. إنها العروس جدة.. وكفى. يا مَغانِي الجَمالِ والسِّحرِ والفِتْنَةِ يا حُلْوَةَ الرُّؤى والمَخائِلْ! حَضَنَ البَحْرُ دُرَّةً وحَنا البَرُّ عليها .. بِرَوْضِهِ والخمائِلْ! فَهْيَ فَيْحاءُ بَيْنَ بَرٍّ وبَحْرٍ.. تَتَهادى .. وتزْدَهي بالجَلائِلْ! بالقُلُوبِ التي يُتَيِّمُها الحُبّ فَتَشْدو طرُوبَةً كالعنادِلْ! والعُقُولِ التي تُهَلِّلُ لِلفَنّ تَجَلَّتْ غاياتُهُ والوسائِلْ! فَبَدَتْ لِلْعُيُونِ حُسْناً وفَنّاً جاوَزَتْ فيهما الثُّغُورَ الحَوافِلْ! ما أَرى في مَدائِنِ العالَمِ الرَّحْبِ كمِثْلَيْهِما سوى في القلائِلْ! ما أُحَيْلى بواكِرُ الفَجْرِ يا جِدَّة فِيكِ .. وما أُحَيْلي الأَصائِلْ! *** قال لي مَن يَلُومُني في هَواها فَتَنْتكَ العَرُوسُ ذاتُ الجَدائِلْ؟! قَلْتُ بَلْ كُنْتُ في هَواها أنا الظَّامِىءُ لاقي مِنْها كَرِيمَ المَناهِلْ! وأنا الكاسِبُ القَوافِيَ تَطْوِي سَيْرَها لِلنُّجُومِ شُم المنازِلْ!! ولقد يُدْرِكُ الأَواخِرُ بالشِّعْر وبِالفَنِّ ما يَرُوعُ الأوائِلْ! *** أنا يا جِدَّةُ الحَبِيبُ المُعَنَّى بِحَبِيبٍ ما إنْ له مِن مُطاوِلْ فاذْكُريني كَمِثْل ذِكْرايَ يا جِدَّةُ يا مَوْطِنَ النَّدى والشَّمائِلْ! رُبَّ ذِكْرى تُؤَجِّجُ الفِكْرَ والحِسَّ وترضي المنى وترضي الدَّخائِلْ! أَفَأَشْكو الهوى شِفاهاً وإلاَّ أكْتَفي منه قانِعاً بالرَّسائِلْ؟! أَيُّ ما فِيكِ أَزْدَهى وأُغَنِّي وهو شَيءٌ مِن العُلا والفَضائِلْ؟! مِن عُلُومٍ. ومِن فُنُونٍ تَأَلقْنَ وأَشْعَلْنَ في حِماكِ المشاعِلْ! وازْدِهارٍ فاقَ التَّصَوُّرَ فاخْضَرَّتْ قِفارٌ بِهِ وماسَتْ جَنادِلْ! حَقَّقَتْهُ الجُهودُ جَلَّلَتِ الثَّغْرَ بِأَبْهى الحُلى. وأَبْهى الغَلائِلْ! قال عَنْها الرَّاؤونَ كانَتْ فَعادَتْ رَوْضَةً ذاتَ خُضْرَةٍ وجَداوِلُ! ولقد يُذْهِلُ التَّطَوُّرَ أَحْياناً ويَحلُو بِهِ سَرِيرُ الحَناظِلْ! *** إيهِ يا جِدَّةُ اطْمَأَنَّ بِنا العَيْشُ وَقرَّتْ بِنا لَدَيْكِ البَلابِلْ! فانْعَمي بالحيَاةِ.. لا مَسَّكِ الضُّرُّ ولا غَالَتِ الهناءَ الغوائِلْ! وسَقاكِ الحَيا بِوابِلِهِ العَذْبِ وندَّاكِ بالسَّحابِ الهواطِلْ! *** بَيْنَ أُمِّ القُرى وطَيْبَةَ مَثْواكِ وعَزَّا فَرائِضاً ونَوافِلْ! فهي مجدنا الأثيل.. هما النجدة أن أعيت الخطوب الكواهِلْ! لم أُجَغْرِفُ هُنا.. ولكنَّكِ الثَّغرُ لأقْداسِنا ومَرْسى الأماثِلْ! وسواءٌ كُنْتِ الجَنُوبَ أَمِ الشَّمألَ .. فالفضل للجدا والنَّوائِلْ! *** جَلَّ هذا التُّراثُ مَنَّ به الله عَلَيْنا يَرُدُّ عَنَّا النَّوازِلْ! ويَقِينا مِن الخُطُوبِ إذا نَحُنُ حَرِضْنا عليه حِرْصَ البواسِلْ! فهو الجِدُّ حينَ يَخطُو إلى الرُّشْدِ وتَخْطُو إلى الضَّلالِ المهازِلْ! *** رُبَّ ماضٍ يَرْنو إلى الحاضِرِ الماثِلِ يَرْجو مِنهُ اتِّقاءَ المباذِلْ! فهي تُفْضِي به إلى الدَّرْكِ تَعْوِي في دَياجِيه عاتِياتُ الزَّلازِلْ! فاتَّقُوهُ.. فهل نَقُولُ اتَّقَيْناهُ؟! ونَسْعى إلى الذُّرى.. ونُناضِلْ؟! النِّضالَ الذي يَعِيشُ به النَّاسُ كِراماً ويَحْصِدُونَ السَّنابِلْ؟! أَيُّهذا الغَدُ الذي يَتَراءى شامِخاً نحن في ارْتِقابِ الفَواضِلْ! حاضِرٌ آمِلُ ومُسْتَقْبَلٌ رَحْبٌ وماضٍ نَزْهو به. ونُطاوِلُ! ***