يبدو أن مقاومة التغيير والتشبث بالقديم مهما كان الجديد مفيداً شيء متأصل في النفس البشرية والحكايات عن ذلك كثيرة ومن أعظمها التصاقنا بالأرض وإن كان في الرحيل عنها راحة لنا.. وإن كان ذلك مصير كل حي. و(الجمرة الخبيثة)..اسم أطلقه السودانيون عند طرح وزارة الموارد المائية والكهرباء لفكرة (عداد الدفع المقدم) وذلك تزامناً مع ما كان يتداول في العالم تلك الأيام عن الحرب الجرثومية. وهذ الرفض الشعبي لم يفلح في تعطيل المشروع الذي حقق نجاحاً كبيراً وانتهت قصة فواتير الكهرباء وأصبح بالإمكان شراء الكهرباء في أي وقت وعلى قدر الحاجة حتى عن طريق الجوال وربما يعتبر السودان أول دولة عربية تطبق هذ النظام المتقدم جداً من النواحى التقنية. وللكهرباء في السودان قصص تروى فقد كانت لا تكفي إلا حاجة القليل من سكان المدن وتولد من خزان الروصيرص والخزانات المخصصة للري وبعض المحطات البخارية التي تستهلك الكثير من الوقود وفي الصيف تتكرر قطوعاتها وقد درج الناس عند عودتها الترنم بمثل (الكهرباء جات أملو الباقات) لارتباط شبكة المياه بها كما عانت الصناعة والزراعة من هذا النقص الكبير. ولأن للسودانيين تجربة يراها البعض غير حميدة في التهجير منذ السد العالي الذي غمر مساحات واسعة من شمال السودان فقد ظلت المقاومة لإنشاء السدود عاتية لا تلين وقد واجهت سد مروي مشاكل لا حصر لها. وهذا السد الكهرومائي على نهر النيل في الولاية الشمالية اكتمل بناؤه في 3 مارس 2009م وبلغت تكلفته 2,945 مليار دولار أمريكي ساهمت الصناديق العربية بتمويل 1,223 مليون دولار ومولت الحكومة السودانية المشروع بمبلغ 1,114 مليار دولار وقدمت الحكومة الصينية تمويلا للمشروع بقيمة 608 ملايين دولار وينتج السد طاقة بقوة 1,250 ميغاواط كما من المقرر أن يروي حوالي 300,000 هكتار من المشاريع الزراعية ,وقد نجحت خطة التوطين بقيام المشاريع الزراعية والتجمعات الحديثة. وكانت الخطوة التالية تعلية خزان الرُوصِيْرِصْ التي اكتملت في مطلع سنة 2013م مما زاد من قدرته على توليد الكهرباء المائية وهو سد كهرومائي شُيّد في عام 1952 م، لتخزين المياه من نهر النيل الأزرق لاستخدمها في ري الأراضي الزراعية. ويتواصل العمل الآن في مجمع سدي أعالي عَطْبَرَة وسِتَيتْ لتوفير مياه الشرب لمنطقة القضارف ومياه الري لمشروع حلفا الجديدة الزراعي ومشاريع أخرى جديدة متصلة بهما إلى جانب إنتاج الطاقة الكهربائية بسعة 320 ميغاواط . وتمول المشروع إلى جانب السودان الجزائر والصين والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية.وقد استطاع السودان ربط شبكته الكهربائية مع جارته إثيوبيا وتتواصل الجهود لربطها مع مصر. أما سدي كجبار والشريك على نهر النيل في الشمال فقد وجدا معارضة شديدة من سكان القرى حولهما وبالتالي ظلا من المقترحات على طاولة التنفيذ. والملاحظ أن كل هذه المشاريع الكهربائية خطط لها منذ سنوات عديدة وثبتت جدواها الاقتصادية ولكن الأفكار السلبية والدعاية المضادة وضيق ذات اليد وغير ذلك اعترضت التنفيذ وإلا لكان حال السودان مختلفاً عما هو عليه الآن. وفي هذا العام 2014م وقعت وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية في الخرطوم مذكرة تفاهم مع وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية في مجالات قطاع الدفع المقدم والدعم الفني في نقل التجربة السودانية في التصنيع والاستشارات وتبادل الخبرات لخمسة أعوام قادمة بالإضافة إلى تصدير عدادات الدفع المقدم وبرامج حاسوبية والشراكة في بناء مصنع عدادات الدفع المقدم في اليمن.