(أعذب العيون وأكذبها عيون النساء الجميلات).. هكذا يُقال.. ولكنه ليس صحيحاً كلُّ ما يُقال.. فالمرأة إذا أحبَّت مسَّها الحب بجناحه المسحور.. رفعها إلى فوق.. تصبح شاعرة ولو لم تتقن اللغة ولم تعرف القوافي والأوزان ولم تقرأ الشعر في يوم من الأيام.. إنَّ عينيها إذا أحبت أشعتا بالشعر والسحر.. الشعر فنٌّ يُعبِّر عن الأعماق.. والحب فنٌّ يخرج المكنون في ارتعاد الشفاه ونظرات العيون.. للحب لغة خاصة لا تعترف بقواعد النحو ولا عروض الخليل.. له أجنحة تكاد أصحابها تطير.. له إشعاعات تلمع في العيون وتتجلى في نطق الكلمات وتتبدى في الاتجاه نحو الحبيب وكأنه الشمال للبوصلة.. وفي خفق القلوب وارتعاش الأيدي وارتعاد الكلمات على الشفاه.. الحب الصادق الصادر من أعمال الرجل أو المرأة هو بذاته لوحة فنية كبرى شملت معظم الكائنات على مدى الوجود فأحدثت أكبر الحوادث في التاريخ من الزواجات والمواليد والأسر والسعادة والشقاء والوصال والحرمان والهجر واللقاء في قصص بدأت مع فجر البشرية ولم تتوقف أبداً فلا حكايات ألف ليلة وليلة ولا حواديت شهرزاد.. الحب جزء لا يتجزأ من الحياة.. ولأن العيون هي مرايا الأرواح والنفوس ونوافذ القلب، فإن عيون العاشقين قالت بلايين الأشعار على مرِّ الدهور والأجيال بما لا تستطيع تصويره كل كاميرات العالم ولا تحصيه كل الحواسب الألية.. وفي تراث كل الأمم تجد أن العيون هي مصدر الحب.. والسحر.. والجمال.. والفتون.. وخاصة عند العرب الذين هاموا بالعيون الجميلة حتى الموت! يقول شاعرهم: «إنّ العيونَ التي في طرفها حَوَرٌ قتلننا ثم لم يُحيينَ قتلانا يصر عن ذا اللبِّ حتى لا حراكَ به وهُنَّ أضعف خلق الله إنسانا» ويقول الثاني: «لها بَشَرٌ مثل الحرير ومنطقٌ رخيم الحواشي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ وعينانِ قال الله كونا فكانتا فعولانِ بالألبابِ ما لا تفعل الخمر» ويقول الثالث: «عيناكِ شاهدتانِ أنكِ مِن حَرِّ الهوى تجِدِينَ ما أجِدُ بِكِ ما بِنا لكنْ على مَضَضٍ تتجلّدينَ وما بِنَا جَلَدُ» ويقول الرابع على لسان العرب: «نحنُ قومٌ تذيبنا الأعيُن النُّح لُ على أنَّنا نُذيبُ الحديدا» فالعيون هي مصدر الحب والشعر ومصائد القلوب، يقول البارودي: «نصبتْ حبائل هدبها فتصّيدت قلبي فراح فريسة الأهدابِ ما كنتُ أعلم قبل طارقة النوى أن العيونَ مصائدُ الألباب» والعيون هي أيضاً مصارع العشاق، يقول الشاعر: «أنا والله أشتهي سحر عين يكِ وأخشى مصارعَ العشاق» وهي التي تجلب الهو بالرياض والغصب، يقول علي بن الجهم: «عيونُ المها بينَ الرصافةِ والجسرِ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري أعدّنَ لي الشوق القديمَ ولم أكُنْ سلوتُ، ولكنْ زِدْنَ جمراً على جَمْرِ» والعيون الناعسات أقوى من السيوق الماضيات: «أداري العيونَ الفاترات الوسواجيا وأشكو إليها كيد إنسانها لِيا مقاديرُ من جفنيكِ حوَّلن حاليا فذقتُ الهوى من بعد ما كنتُ خاليا وكلمن بالألحاظ مرضى كليلةً فكانت صحاحاً بالقلوب مواضيا» وللشاعر نفسه - شوقي - وغناها عبدالوهاب فأبدع: «جفنه علَّم الغزل ومن الحبِّ ما قتل» والجميلة تجرح بعينيها إن نظرت وإن أسلبت: «ويلاه إن نظرت وإن هي أسلبت وقع السهام ونزعهن أليم» (فدوة عيونك) «فدوة عيونك لو غدت روح مغليك وش عاد لو راحت لعينيك عشاير أبيع ما يغلى على الكون واشريك واسوق لي جتني علومك بشاير وازعل جميع الناس بالحيل وارضيك واصبر ولو دارت عليّ الدواير واخذ من أيامي لك أيام واعطيك وان راح عمري لك فلا هو خساير احبّ انا شوفتك وصوتك وطاريك دايم، وفكري فيك هايم وحاير بالصّمت أهوجس بك وبالصوت أناديك والله عليم البيّنه والسراير أنا وقلبي والهوى بين اياديك عندك مفاتيح الهنا للضماير من روحي احبك ومن روحي افديك يا مَنْ غرامه والحسن فيه ثاير» (خالد الفيصل) (عيونك لا توريها لغيري لا توريها) «عيونك لا توريها لغيري لا توريها عيونك لي ولو اقدر عيونك عنك اداريها أنا لو بعت نظراتك أبيع العمر واشريها عيون الليل انا بالحيل احب اسهر لياليها واحب ابكي وهي تبكي وافرح للفرح فيها حبيبي لو ضمنت اليوم اعيش الشك في باكرْ يجي مستقبل الايام يغير في هوى الحاضر يغيرك الزمن بعدي تعلّم طبعه الغادر أخاف عيون ما يدرون وش اللي يجرح الخاطر عيونك آه لو يدرون حياتي فيها للآخر» (بدر بن عبدالمحسن) وفاض الوجود شعوراً وشعراً «وتمضي وأمضي مع العابرينَ وما بيننا غيرُ نجوى النظرْ وطيفُ اتسامٍ علي شفتيكَ وَوَهْجُ هُيَامٍ بعمقي استعر وقد هبط الليلُ حلوَ الغموضِ خلوبَ الرؤى عبقريَّ الصُّور وماجتْ معَ الريح خُضْرُ الكرومِ مُشَعشِعةً بيضاءِ القمرْ وفاضَ الوجودُ شعوراً وشعراً وذات من الوجدِ حتى الحجرْ!» (فدوي طوقان)