قليل من التأمل في مواقفنا اليومية العابرة يعني المزيد من التمعن والإدراك لمفاهيم ربما مرّت دون أن تثير أدنى اهتمام لدى أحدنا, لكنها دون شك ترسم وجها مشرقا للحياة والمجتمع وقبل هذا وذاك الإنسان ! ...بالأمس وتحديدا في وقت الانصراف من العمل كانت اللحظات مواتية للمقارنة بين واقعين يحملان مقاربة حقيقة لواقع مأساوي وآخر في منتهى الرقي , كانت العمالة الإندونيسية من جانب و في الجانب الآخر عمالة من جنسية أخرى لا داعي لذكرها , كلاهما يقوم بأعمال انشائية مرهقة .. ينتظمون للحضور من السابعة صباحا إلى ان يحين وقت الانصراف لينتظروا بعد ذلك الباص الذي يقلهم إلى أماكن سكنهم .كنت أرى الإندونيسيين في طابور طويل يبدو في منتهى الهدوء والانتظام دون ازعاج أو صوت مرتفع , تراهم ينتظمون على هذا النحو بشكل يومي إلى حين وصول الباص , وإذا ما وصل ركبوّه دون أي تعثر أو لخبطة وعلى النقيض تماما العمال من الجنسيات الاخرى يبدون في حالة من القلق تراهم يلاحقون الباصات يقفزون من هنا وهناك , البعض منهم يتعارك والبعض الآخر يعترض طريق السائق وعلى هذا المنوال يثيرون الشغب والفوضى بشكل يومي , كان السؤال محلقا في ذهني ترى ما السبب وراء انتظام العمالة الإندونيسية .. لماذا لم تثر الشغب أو يقفز أفرادها من هنا و هناك , لماذا لم يتضجروا من وقوفهم في هذا الطابور الطويل .. قلت إن السبب ببساطة يكمن في حفظ حقوق كل واحد منهم بمعنى أن كل عامل ضمن مكانه في الباص وهذا لأن القائمين على رعايتهم ضمنوا لكل فرد مقعدا باسمه وبالتالي سوءا جاء مبكرا أو متأخرا فلن يؤثر ذلك بشيء فالقانون الوضعي هنا ضمن له حق الجلوس في مكانه المخصص دون عناء ! بينما العمال من الجنسيات الاخرى سُلبت حقوقهم ولم يخصص لهم أماكن منتظمة وبالتالي فشل القانون في صياغة حالة من الأمان فدبّت الفوضى ونشأت حالة من السطو وغلبة القوي على الضعيف وكأني بحال هذه العمالة غير المنتظمة أشبه بواقع البعض من أمتنا العربية بعد أن تخلف في ارساء قوانين فاعلة وصارمة ولم يفلح في تثبيت دعائم العدالة الاجتماعية التي يراد منها المساواة في نيل الحقوق فالفساد قد أتى على مدخرات الاوطان واستقرارها وباتت الشعوب عرضة للإهمال والسلب وكأني بالحال ( ما كان بالإمكان قدر ما كان ) فمتى ينسّل واقعنا من هذه الغمة وهل الأمل قريب نحو أنظمة لا تخترقها الوساطات والرشوة .. هي في اعتقادي تفاصيل ربما لم نولها اهتماما حقيقيا لكنها حتما كانت وما زالت مفتاحا لنجاح الآخرين الذين سبقونا بمراحل. أخيرا : أن ينال كل مواطن حقوقه وأن تقف كل أطياف المجتمع على مسافة متساوية من العدالة دون فروقات أو وساطات أو فساد ونحوه فهذا ما سيضمن لمجتمع دون آخر أمانا واستقرارا حقيقين. [email protected]