غزة - وكالات ها هو البيت يلوح في الأفق.. ربما تصدعت بعض جدرانه.. احترقت شجيرات حديقته الصغيرة.. لكن لا بأس.. إنه على كل حال بيتنا.. وسنعيد ترميمه وزرع زهور جديدة في بستانه. هكذا كان لسان حالهما يقول بينما تمسك شروق ناجي حسين (11 عاما) بيد شقيقها عبد الله (10 أعوام) وهما يحثان الخطى باتجاه منزلهما بمنطقة الشعف شرق مدينة غزة والذي اضطرا هما ووالداهما لهجره تحت نيران القصف الإسرائيلي الذي تواصل على مدار 22 يوما مخلفا 1412 شهيدا و5400 جريح نصفهم من النساء والأطفال، وأدى إلى هدم نحو 4100 مبنى في أنحاء القطاع. شروق وعبد الله اللذان ظنا أن الشمس التي خبا نورها من القطاع خلف دخان قذائف الموت الإسرائيلية قد عادت تشرق عليهما من جديد، غابت شمس حياتهما أمس الثلاثاء 20-1-2009 إثر انفجار جسم مشبوه تركه الاحتلال بحديقة منزلهما قبل بدء سحب قواته من القطاع الأحد الماضي. استشهاد الطفلين فتح صفحة جديدة في سجل ضحايا العدوان الإسرائيلي حذرت مصادر طبية فلسطينية من أن عشرات الأسماء قد تسجل فيها خلال الأيام المقبلة بسبب مئات الأطنان من المتفجرات التي خلفها الاحتلال وراءه وتحمل بعضها رءوسا متفجرة غير تقليدية يبقى مفعولها لتنفجر بمجرد تحريكها. ودعت وزارة الصحة الفلسطينية أهالي القطاع البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة إلى الأخذ بأعلى درجات الحيطة مع الأجسام المعدنية الغريبة ومعلبات الطعام والألعاب الملونة والصواريخ والقنابل التي لم تنفجر، والتي تركت قوات الاحتلال المئات منها في العديد من طرقات وبساتين ومنازل غزة، مطالبة إياهم بالإبلاغ فورا عند مصادفة أي من هذه الأجسام. في العراء حتى بعد العدوان همَّ "أبو إبراهيم دياب" القاطن في حي التفاح شرق مدينة غزة باجتياز عتبة منزله بعد أن أعلن الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار مساء السبت الماضي، ولكنه فوجئ بصيحات الجيران تحذره من التقدم. أبو إبراهيم قال : "كان يفصل بين الموت وعائلتي بضع خطوات فقط لولا صيحة جاري الذي أنذرني بوجود عدة صواريخ وقذائف في حديقة المنزل لم تنفجر بعد.. وها نحن نعود للعراء الذي ألجأنا العدوان إليه من قبل.. فالموت يلاحقنا سواء بوقف إطلاق النار أو استمراره". والتقط طرف الحديث جاره أبو محمد قائلا: "لم أعد آمن على أطفالي للخروج من المنزل ولو حتى لشراء بعض الحاجيات من البقالة المجاورة.. فجنود الاحتلال تركوا وراءهم مخلفات ذات ألوان زاهية وعلى شكل لعب أطفال لكي تُغري صغارنا فتنفجر بهم". بساتين الموت ولا يستطيع الحاج أبو زكي جعرور الاقتراب من بستان البرتقال الذي يملكه على الرغم من نضوج ثمراته ونجاتها من القصف الإسرائيلي، لكنه في حسرة يقول: "في البستان سقطت عدة صواريخ من الطائرات وأخرى من القذائف المدفعية.. بعضها انفجر ودمر ما دمر وحرق عشرات الأشجار بينما بقي البعض الآخر دون أن ينفجر". وتابع: "أود أن أزور بستاني وأقطف البرتقال والليمون المتبقي فهو تعب عام كامل.. ولكني أخاف أن تنفجر القنابل والصواريخ في أي لحظة.. وأخشى إن حاولت نقلها لمنطقة خالية أن تنفجر خلال النقل أو أن يعبث بها الأطفال فتسبب كارثة".