بالإشارة إلى ما نشر في جريدة البلاد الغراء في يوم 17/12/1429ه بعنوان "التعداد.. المصداقية.. والجوازات"، بقلم الأخت الكاتبة هويدا محمود خوجة ، يسرني كأحد المتخصصين في مجال الدراسات السكانية أن أقدم الشكر الجزيل للكاتبة الكريمة على اهتمامها بالتعداد، خاصة في هذا الوقت الذي تبدأ معه فعاليات تعداد 2010م، الذي سيكون متزامناً مع التعدادات السكانية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن يبدو أن هناك بعض الأمور التي لم تكن واضحة في ذهن الكاتبة الكريمة حول بيانات التعداد ومدى توافرها والإفادة منها. لذلك يسرني ايضاح بعض اللبس أو الغموض على النحو التالي: أولاً: لقد أشارت الأخت الكريمة إلى صرف مبالغ كبيرة لإجراء التعداد السكاني، وهذا أمر صحيح. فلا يمكن إجراء مشروع ضخم وشامل كالتعداد السكاني دون رصد مبالغ كبيرة للتخطيط، وتحديث الخرائط، وترقيم المباني، ثم تدريب العاملين، وتكليف آلاف العدادين في مختلف مناطق المملكة، ناهيك عن مراجعة وتدقيق استمارات التعداد، ثم ترميز بياناتها، وادخالها في الحاسب الآلي، وبعد ذلك نشرها في أوعية مختلفة. وعموماً فالممارسة الإحصائية في المملكة ليس مختلفة عن غيرها في الدول الأخرى. ثانياً: بخصوص قولها "انتظرنا ثم انتظرنا حتى بدأت المقالات والكتاب الصحفيون يعبرون عن آرائهم حول غموض هذا التعداد وعدم مصداقيته"، فأعتقد أن هذا الكلام غير دقيق، وربما يعود هذا اللبس إلى عدم متابعة لأنشطة الجهة المسؤولة عن التعداد والإحصاءات السكانية. فقد شهدت عملية نشر البيانات تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، وأصبح كثير من البيانات في متناول الباحثين والمستفيدين. فموقع وزارة الاقتصاد والتخطيط يزخر بنتائج تعدادات السكان، بالإضافة إلى بيانات المسوحات الديموغرافية ومسوحات القوى العاملة. وفي الحقيقة، يُعد موقع الوزارة من المواقع المساندة والمفيدة لي في تدريس مقررات السكان بالجامعة. أما بالنسبة للمصداقية، فتحظى بيانات التعداد السكاني في المملكة بمصداقية معقولة لدى الأوساط المتخصصة في مجال السكان، ولو أننا نطمح في مزيد من التحسن في إجراءات التقويم. وعموماً، فقد أتاحت بيانات التعداد السابق إجابات شافية لكثير من القضايا المجتمعية، وأسهمت في إيجاد الحلول لبعضها. وللحقيقة، فقد استفدت شخصيّاً – وكثير من زملائي – من بيانات التعداد في بحوثنا وتدريسنا لبعض المقررات. ومع ذلك، فإننا نطمح في تحقيق مزيد من التحسن في العمل الإحصائي في المملكة سواء من حيث الدقة أو النشر. ثالثاً، أما بخصوص تصحيح المعلومات في مناهج الجغرافيا بالمدارس الذي أشارت إليه الأخت هويدا، فأحسب أن وزارة التربية والتعليم تعمل على تحديث مناهجها باستمرار. وأتفق مع الكاتبة في ضرورة تحديث المناهج باستمرار، خاصة مع توافر البيانات السكانية عن مناطق المملكة ومدنها وقراها، بل إن هناك حاجة ماسة لإدخال موضوع "التربية السكانية" ضمن بعض المناهج. رابعاً: إن فائدة بيانات التعداد يراها كل إنسان من زاويته. فقد ترى الكاتبة الكريمة بعض الفوائد والاستخدامات، ولكنها لا تستطيع معرفة الفوائد والاستخدامات الأخرى. وهذا أمر طبيعي. فرجل الأعمال على سبيل المثال يرى ما يحتاجه (هو) من بيانات التعداد في مجال الاستثمار، مثل تزايد الطلب على الشقق أو نمو منطقة معينة، ولكنه قد لا يرى الفوائد أو الاستخدامات الأخرى التي قد تفيد غيره من الناس على مختلف مشاربهم، كالباحثين في الاقتصاد والاجتماع والجغرافيا والطب. لذلك تتنوع استخدامات بيانات التعداد السكاني ويتعدد مستخدموها. فهناك الكثير من المستخدمين، مثل المؤسسات والمصالح الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، ومراكز البحوث في الجامعات، وكذلك الأفراد على مختلف مستوياتهم التعليمية والثقافية، سواء لأغراض أكاديمية وعلمية، أو استثمارية، أو تعليمية، أو ثقافية، أو إدارية. في الختام، نحن جميعاً نطمح إلى نجاح التعداد، والارتقاء بمستوى الإحصاءات في بلادنا. وهذا يتطلب تضافر الجهود ورفع الوعي الإحصائي من أجل إنجاح التعداد وعمليات جمع البيانات السكانية الأخرى. وأخيراً، لا بد من القول بأن دقة بيانات التعداد تعتمد على دقة الإدلاء ببيانات الأفراد والأسر. لذلك أنتهز الفرصة فأدعو المواطنين والوافدين للتعاون مع موظفي التعداد من أجل إنجاح التعداد، ومن ثم الإسهام في صنع مستقبل مشرق لنا ولأسرنا ولأطفالنا ولمجتمعاتنا. أ.د. رشود بن محمد الخريف جامعة الملك سعود