من هذا – الشباك – الذي نطل منه على ذكريات مضت وقد حرصت على أن تكون لأناس قد كانت لي معهم مواقف مباشرة لا عن شخصيات لها مكانتها الفكرية والأدبية ولكن لا يوجد لهم مواقف معي شخصياً، لهذا أسجل اعتذاري إن أنا لم أذكرهم. ثانياً هذه الذكريات - عن الذين رحلوا إلى بارئهم وليس عن من يعيشون معنا متعهم الله بالصحة والعافية وطولة العمر. أهلاً بالشباب.. تكاد تكون هذه – ركيزته – عند استقباله لمن يقابله من أقل منه سناً بل أحياناً يقولها مداعباً لمن في مثل سنه كأنه يذكرهم بأيام الشباب التي ولت – فهو يعكس بتلك الجملة ما يعيشه من شباب في "روحه" وفي تعامله مع الآخر. كان رجلاً له – كريزمته – الخاصة به له حضوره في أي مجلس يكون فيه حيث تتجه الأنظار اليه للاستماع لما يحكيه من قصص ومواقف بل ونوادر من حلوها وطرافتها لا تمل من سماعها منه في كل مرة حيث يملك قدرة على حكايتها بصور مختلفة. أما ما يقوم به من "مقالب" في بعض أصدقائه ومعارفه فحدث بلا حرج وهم يتقبلونها منه بصدور رحبة ولعل من أطرف تلك المقالب التي كانت مع أحد الشعراء من الإخوة السودانيين الذي اوقعه حظه العاثر أن يكون ثالثاً له ولصديق عمره حسين قاضي في ذات المكان الذي هو عبارة عن خيمة للضيافة يستضيف فيها الملك ضيوفه اياما في ذلك المخيم.. فراح ذلك الشاعر وقد وجد ارتياحاً في نفسه أن يلقي عليهما القصيدة التي أعدها لكي يلقيها أمام الملك وهو مزهو بها وبأنه سوف يلقيها في الحفل الكبير وبعد ان انتهى من إسماعهما لتلك القصيدة وضعها في "جيب" ثوبه السوداني الواسع الذي علقه في عمود الخيمة وكانت المفاجأة في ذلك الاحتفال الكبير أن تقدم هو ممسكاً بالقصيدة وألقاها امام الملك فراح السوداني يبحث في "جيوبه" عن قصيدته التي راح يسمعها منه عندها عرف الشاعر السوداني بأنه كان ضحية القائه القصيدة أمامه.. في الليلة السابقة. حيث أخذها أثناء نومه. هذه واحدة من أظرف المواقف التي كان يحكيها بظرفه وهو يصف حال ذلك الشاعر وما أصابه من غضب وحنق شديدين. ومن جهة أخرى لقد كان حصيفاً في نظرته للأمور لا تسمع منه كلمة نابئة أو خطله في قول ضد آخر انه من اولئك الذين يعطون من ذواتهم ما يملكون له نظرة فاحصة فيمن يراجعه من المزارعين عندما كان مسؤولاً عن القطاع الزراعي في المدينةالمنورة فيتعامل مع كل واحد منهم حسب ما يراه في وضعية صاحب – المشكلة – أو الحاجة الى مساعدة زراعية في تفهم كامل لذلك "المزارع". فهذا مزارع في حاجة إلى مساعدة فلا يتوانى عن مساعدته. وهو أحد أضلاع أي لجنة تقوم للإصلاح بين المتخاصمين فهو يجد راحته في لم شمل المتفرقين او المتخاصمين. ذات يوم دخلت مكتب الاستاذ أمين عبدالله القرقوري في جريدة "البلاد" واذ أجده أمامي فما ان رآني حتى بادرني أهلاً بالشباب والتفت الي – أمين – قائلاً: ترى الأخ علي – معرفة قديمة وكبيرة منذ أيام مسؤوليتي عن الزراعة في المدينةالمنورة وراح يقص عليه قصصاً كان أحد شهودها حدثت لي مع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة – أيامها – كان يتحدث بكثير من الاهتمام حيث فاجأني بما كنت قد نسيته لتداخل الأشياء وتباعد الزمان كان حاضر الذهن رغم تقدمه في السن . وهو يصف تلك الأحداث باليوم. وبالحضور من الشهود. فقلت له لامسك الخشب.. يا مولانا ضحك وقال: بدل أن تمسك الخشب تقول ما شاء الله. وقال كلاماً لم أملك لحظتها إلا أن أشكره عليه. إنه أحد الرجال الذين لهم مجلسهم الذي لا يمل من يجالسه فيه أو منه بتلك الأرومة التي يتمتع بها.. وبذلك الحضور الطاغي على من يحادثه أو يحاوره.. لقد كان رحمه الله من القلائل الذين يتحدثون والضحكة لا تخاتلهم أبداً.. رحم الله الأستاذ النبيل ابراهيم عمر غلام وأسكنه فسيح جناته الذي توفاه الله في يوم الجمعة 12 /8 /1434ه .