كان القرن العشرون.. رغم الحربين الكونيتين اللتين تخللتاه، والمآسي والدمار.. اللذين خلفتاهما، والضحايا.. الذين سقطوا فيهما، من مقاتلين وأبرياء.. من الشباب والشيوخ، والنساء والاطفال.. الذين نيفت اعدادهم على الستين مليوناً من البشر.. الا انه كان قرن الانجازات العملاقة، والتقدم الانساني الباهر.. غير المسبوق، وعلى مختلف الأصعدة، فقد قطعت البشرية فيه.. فوق مشوار تطورها: العلمي والصناعي والزراعي والطبي والحياتي والتقني.. ما لم تقطعه طوال القرون الماضيات مجتمعة، ولذلك كان إجمالاً: قرن الذروة.. في كل منحى، وقرن الأمجاد.. في كل شيء. ولأنه كان كذلك.. فقد امتلأت ايامه وسنواته وعقوده ب"الاسماء" و"النجوم".. ب"الاقمار" و"الشموس" في كل مفردات التقدم الانساني على اتساعها وكثرتها، والتي كان من بينها.. وربما في طليعتها المتألقة: الآداب والفنون، والفكر والفلسفة، والشعر والموسيقى، ثم ولّى زمنه كما يولي كل شيء في هذه "الدنيا".. إلا ان اسماء نجومه واقماره وشموسه لم تول معه، بل بقيت خالدة في ذاكرة الأجيال وسمعها، شاخصة في ضميرها ووجدانها.. لأنها تركت بصمات لا تمحى، وكلمات لا تنسى، وأفكاراً لا تموت. ولقد كان من حسن حظي، أنني عرفت بعض هؤلاء.. عن قرب، وعشت مع الأكثرية منهم فكراً وروحاً وإلهاماً.. عن بُعد، إلا أن هؤلاء وأولئك.. ظلوا يعيشون في قلبي وعقلي، في روحي ووجداني.. حتى بعد أن باعد الموت بيني وبين من عرفت منهم، وبيني وبين من لم أعرفهم من قبل.. ولذلك عندما دعتني مجلة "رواشين" – وهي احدى المجلات التي تعنى ب"القيمة" – لمواصلة الكتابة الشهرية فيها بعد ان انتهت حلقات (النقش على الذاكرة.. عن جدة: المكان والانسان).. لم أجد خيراً – ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين – من استرجاع لمحات من حياة تلك الاسماء والنجوم.. تلك الاقمار والشموس الساطعة في القرن العشرين.. لا لأتذكرها وأذكر بها.. فقط، بل ولأبعث لها هي في غيبة موتها الجسدي ب"صحبة" ورد و"باقة" حب تقول لهم: إنكم فوق النسيان.. بما قدمتموه وسطرتموه بآرائكم وأفكاركم.. بأقلامكم ودموعكم.. بأفراحكم وأحزانكم، وإن اجيالاً واقلاماً تعرفكم وربما لا تعرفونها.. ستكتب عنكم ذات يوم وكما كنتم تتوقعون: سطراً.. أو سطوراً من الاجلال والتقدير والعرفان لكم.. 2 إبريل من عام 1955.. تنادي زعماء "الحرية" و"الاستقلال" في كل من آسيا وافريقيا، الذين استطاعوا (الخلاص) من ربقة الاستعمار البريطاني، في الهند ك"نهرو".. وفي مصر ك(جمال عبدالناصر)، (الاستعمار الهولندي) في اندونيسيا (سوكارنو).. إلى لقاء يجمعهم بدعوة من الرئيس أحمد سوكارنو – في جزيرة (باندونج) الأندونيسية الجميلة الساحرة، لبحث وسائل التعاون فيما بينهم من أجل، تخليص دول وشعوب القارتين من الاستعمار البريطاني والفرنسي أو الهولندي أو الايطالي أو البرتغالي أو الأسباني أو الألماني أو البلجيكي .. الذي كانت سحابته السوداء تغطي معظم دول القارتين الآسيوية والافريقية الى جانب معظم دول أمريكا اللاتينية، وقد دعوا الى جانبهم الزعيمين.. الآسيوي الصيني "شوين لاي".. والأوروبي اليوغسلافي "جوزيف بروز تيتو".. لدورهما التحرري في رفع الهيمنة السوفييتية عنهما.. ليشاركا في ذلك اللقاء التحرري التاريخي الأول الذي اختار له الرئيس سوكارنو – صاحب أحدث استقلال 1949م – عنواناً سياسياً.. رائعاً.. خلاقاً: (الأمم الصامتة والمقهورة.. تتكلم)..؟ وقد تكلمت الأمم الصامتة، وتفاعلت شعوبها مع دعوة الحرية والتحرر التي بثها الزعماء الوطنيون الخمسة.. لتخرج من ثنايا لقاءاتهم الفوارة: (منظمة التعاون الأفروآسيوي).. التي قادت دول وشعوب القارتين إلى الحرية والتحرر، وهي تقزز زعاماتها التاريخية الآسيوية الأفريقية التي لا تنسى.. على الجانبيين: من (نوردوم سيهانوك) الكمبودي الى (هوشي من) الفيتنامي.. ومن (كوامي نكروما) الغاني الى (أحمد سيكوتوري) الغيني الى (جوموكينياتا) الكيني إلى (جوليوس نيريري) التانزاني.. إلى شهيد الحرية الزعيم الكونغولي (باتريس لومومبا).:.: لتقوم في أعقابها (كتلة عدم الانحياز) التي ظلت منذ انطلاقتها.. المرجحة لقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والتي أخذت تسعى إليها فيما بعد كل دول العالم.. للفوز بصوتها المرجح في محفلها!؟ لقد كان حرياً.. بأن يكون هذا الأديب المثقف والشاعر الوطني السنغالي (سينغور) سادس أولئك الزعماء الخمسة لولا (عضويته) في الجمعية التأسيسية المدرسية، التي شده إليها وإلى الحياة السياسية عموماً – عام 1945م – صديقه (لامين غواي).. أول محام أسود، وأول رئيس لبلدية (داكار) التي كانت تلعب دور (العاصمة) لما كان يسمى .. ب(دول افريقيا الغربية الفرنسية)، ولولا انخراطه – اضطراراً بأكثر منه اختياراً – في كتائب الجيش الفرنسي في مطالع الحرب العالمية الثانية وحتى أسره في معسكرات الجيش الألماني.. للذود عن (فرنسا) التي دعا زعماء (باندونج) الخمسة الى التحرر منها ومن بريطانيا واستعمارهما القديم والطويل في القارتين الآسيوية والأفريقية، رغم أن (جينات) الحرية والتحرر التي حملها "سينغور" مبكراً كانت تصب في ذات (النهر).. نهر الحرية والتحرر، فمع أول وظيفة يتقلدها – معلم لغات – بعد حصوله على شهادتي (الإجراجسيون) و(ليسانس الآداب).. من مدرسة (الليسيه) بداكار ف(السوربون) من باريس، كان يعلن عبر ديوانه الأول (أناشيد الظل): ان همه – ك(شاعر) قبل "المعلم" – ليس تعليم اللغة الفرنسية للسنغاليين.. ولكن في (إيقاظ شعبه على المستقبل الباهر)!؟ وهو يؤكد قائلاً (بهجتي أن أخلق صوراً أعذبه بها)!! ليس حباً في العذاب لذاته، أو ل(سادية) ينكرها، ولم تعرفها حياته.. ولكن من أجل أن يفجر غضب ابناء شعبه بحثاً عن حريته المسلوبة ك(أسود منبوذ، مهمل.. في اخر صفوف البشرية: يباع ويشتري)!! وقد اكتمل له ذلك في صرخته الشعرية الرائعة التي أطلقها في طلب الحرية والمساواة مع (الأبيض): مستعمرة جلاده.. عندما قال، وكأروع وأجمل ما يكون عليه في قصيدته (وُلدت أسود) بديوانه الثالث (أثيوبيات) الذي صدر له عام 1958م: ولدت أسود اللون، كبرت أسود اللون، أجلس في الشمس، أسود اللون، ينتابني خوف.. أسود اللون، وحين أموت.. أموت أسود اللون، أنت يا صاح.. يا أبيض اللون! ولدت أزهر اللون، أكبر أبيض اللون، أجلس في الشمس أحمر اللون، في البرد أزرق اللون، ينتابك خوف، أصفر اللون، وحين تموت، تموت أشحب اللون وأنت لا تكف.. تدعوني بالملون!) لقد كانت أزمة الفتى الأفريقي (سينغور).. المكلوم ب(سواده)، ونظرة (الأبيض) له.. هي في ذلك التناقض القدري الحاد الذي وجد نفسه في أتونه بين: (ولادته السوداء) في قرية (جوال) للصيادين في جنوب (داكار) عام 1906م.. و(حياته البيضاء) في فرنسا منذ ان وصل الى عاصمتها (باريس).. مدينة النور والحرية وهو في العشرين من عمره، ليلتحق ب(جامعة السوربون).. ولكنه تركها والتحق بمدرسة (لوي لوغران).. استعداداً للدراسات العليا بعد عام، حيث تعرف هناك على (الشاب: جورج بومبيدو)، الذي سيصبح ثاني رؤساء الجمهورية الفرنسية الرابعة خلفاً لمؤسسها الزعيم الفرنسي التاريخي "شارل يجول)، كما تعرف وفي ذات المرحلة على صديقه الطالب الماترنيكي الكاريبي (ايمي سيزار).. ليصدرا معاً – عام 1434م في باريس – صحيفة (الطالب الأسود)!! التي التزمت الدفاع عن الزنوج و(الزنوجة) أي الزنجية التي ابتكر لفظتها (سيزار).. وغدا (سينغور) فيلسوفها، المنظر لها حتى اتهم من قبل الأديب والمفكر والفيلسوف الفرنسي الأشهر (سارتر).. بمحاربة (العنصرية البيضاء) ب(عنصرية سوداء)!!، إلا أن سارتر سرعان ما عاد عن ذلك وهو يتأمل بوعيه الإنساني الراشد عمق معاناة الأفريقي (الأسود) عبر سنين وقرون ذله، واضطهاده حتى تقدمت على (مكانته) الآدمية.. القطط والكلاب والحيوانات الأليفة، وهو يرى بعينيه وبحضوره الأدبي العريض: (عشق (سينغور) ل(فرنسا) وآدابها وأدبائها.. وهيامه بثقافته ومثقفيها.. وجنونه بلغتها الموسيقية الساحرة، التي جعلت منه استاذاً من أساتذتها ومعلماً من معلميها في المدارس الباريسية نفسها، وهو يتذكر "رسالة" سينغور الباذخة التي نال بها درجة (الماجستير) عام 1932م عن أعمال بودلير الشعرية (الإغرابية عند بودلير).. ليكتب له عن قناعة به وإيمان بشاعريته: مقدمة ديوانه الثاني (قربان أسود) الذي صدر ل(سينغور) عام 1948م. عندما عاد (سينغور) من (باريس) بعد اثنتي عشر عاماً من الإقامة المتصلة بها – عام 1937م – إلا من زيارات قليلة متقطعة إلى (داكار).. دعته الغرفة التجارية السنغالية لإلقاء محاضرة بها، ففاجأ حضورها من الفرنسيين الذين كانوا يتصدرون مشهد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في داكار، ويديرون دولاب الحياة التجارية والصناعية في السنغال كلها من تجارة (الفستق) الى صناعة (الصمغ).. بمستوى طرحه الرفيع، ولغته الفرنسية الباريسية الراقية.. التي لم يكن أحد منهم يتوقعها، بل ولم يتوقع حضور تلك المحاضرة.. أن محاضرتهم، الذي كان يتحدث إليهم، يحمل شهادتي (الإجراجسيون) و(ليسانس الآداب)، كأول افريقي أسود يحمل المؤهلين معاً.. إلا عند تقديمه في تلك المحاضرة.. ليتم تعيينه مدرساً للغة الفرنسية في مدرسة (ليسيه مارسلان) بإحدى ضواحي (باريس).. وكأنه (فرنسي) وليس سنغالياً يصح أن يستفيد منه ومن امكانياته وقدراته وطنه الأم (السنغال)، ليعود الى باريس مجدداً.. ليقود مع صديقه الشاعر المارتينيكي سيزر (الانتفاضة السوداء) للنضال ضد العنصرية، ومساعدة (العالم الأسود).. في الانعتاق من العبودية والاسترقاق، ليبلغ الأربعين من عمره (1946م).. فيقترن بالفرنسية النورماندية (جينيت اليبوي) وينجب منها غلامين.. لتمضي به الحياة في باريس، إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.. ليتم تعيينه (أستاذاً للغات والحضارات الأفريقية) في (المدرسة الوطنية الفرنسية) لينشىء عام 1957م حزبه السياسي الأول حزب المؤتمر الأفريقي.. والذي أصبح (أمينه)، لكن حظوظه السياسية لم تأخذ فرصتها الحقيقية.. إلا مع عودة الزعيم الفرنسي الراحل "شارل ديجول" الى الحكم عام 1958م ب(فكره) الخلاق ورؤاه السياسية الحضارية والإنسانية، حيث أبدل علاقة (فرنسا) ب(مستعمراتها) الأفريقية.. من الهيمنة المباشرة وإلغاء الهوية الوطنية.. إلى (رابطة فرنسية) معها و(حكم ذاتي) للشعوب القادرة عليه.. وقد كان في مقدمتها: "مالي" و"السنغال".. اللتان سرعان ما طورتا حكمهما الذاتي بإلهامات (سينغور) الى "وحدة فيدرالية" بينهما بعد استقلالهما عام (1958م).. تحت مسمى (السودان الفرنسي)، إلا أنه لم يقدر لهذه (الوحدة) الاستمرار بأكثر من عامين.. ليتم الإعلان عن انفصالهما واستقلال كل من الجمهوريتين تباعاً في أغسطس من عام 1960م، حيث جرت أول انتخابات في جمهورية السنغال.. حملت (أب الاستقلال) السنغالي (سينغور)، المثقف والشاعر والأديب والسياسي إلى سدة الحكم.. ك(أول) رئيس لجمهورية السنغال..! ومع نجاحاته الثقافية ك(شاعر) سنغالي متفرد.. يكتب ب(الفرنسية) ويدخل إلى عالمها حشداً من المفردات السنغالية، وهو يتغنى في أشعاره على أنغام الطبلة الأفريقية الشهيرة ال(ندوندو) كما كان يتغنى شعراؤنا القدماء على أنغام خطى الجمال في الصحراء (البحر البسيط.. والتي كانت تمضي في خط مواز مع نجاحاته السياسية في السنغال وبين أبنائه، كان العالم يقلده عام 1968م.. جائزة (نوبل للسلام) بعد عامين من احتجابها (66 و67)، و(فرنسا) تقدم له بعد عام آخر (ديسمبر 1969م).. مقعد العضوية في أعظم أكاديمياتها (الأكاديمية الفرنسية للدراسات الإنسانية والسياسية)، بينما أخذ المنصفون من السنغاليين يعيدون انتخابه.. ثانية.. وثالثة.. وهو (المسيحي) الكاثوليكي وسط غالبية سنغالية مسلمة تتجاوز التسعين بالمائة..!؟ لقد غدا (سينغور) بثقافته العريضة والعميقة، وخبراته السياسية والإدارية.. وسماحته الملفتة النادرة بين المتشددين من الجانبين أحد حكماء افريقيا ومرجعيتها في حوار الحضارات والثقافات، ليفاجئ (سينغور) العالم كله.. ب(استقالته) الطوعية عن (الرئاسة).. في آخر يوم من أيام عام 1980م، في سابقة لم يعرفها العالم الأول.. فضلاً عن العالم الثاني أو الثالث، ويصورة أقرب إلى (الخرافة) منها الى الحقيقة.. عندما قال في آخر سطر من سطور رسالة استقالته إلى (البرلمان) السنغالي: (.. آملاً أن يتقبلوا قسم السيد عبدو ديوف رئيس الوزراء الحالي الذي سيحل مكاني)!! ليدوي خبر (خلافته).. وهو يغطي على خبر (استقالته)..؟! فمن يتصور أن رئيساً منتخباً في العالم الثالث يحظى بكل ما كان يحظى به (سينغور) من تقدير وإكبار عالميين، ومحبة من أبناء شعبه.. يتخلى طواعية عن منصبه.. ويقدمه هدية لرئيس وزرائه (المسلم)؟! ولكن ذلك هو (سينغور) الذي (جمع الأدب بمفهومه النبيل.. الى جانب السياسة بمفهومها الأنبل، وقلما التقى هذا بذاك في قلب رجل واحد.. لكنهما اجتمعا في هذه الأرض الأفريقية التي عانت كثيراً من الجهل.. عدو الأدب.. ومن الاستبداد أعدى أعداء السياسة النبيلة)! كما قالت مقدمة احتفالية (مرور مائة عام على ولادة سينغور) التي أقامتها (الأكاديمية الفرنسية الباريسية) اشهر أكاديميات العالم وأعظمها قيمة ثقافية وحضارية.. بعد أن استقبلته عضواً بها منذ عام 1948م. لقد كان معزياً.. أن لا تذهب سابقة (سينغور) في الاستقالة هباءً، فقد تبعه عبدالرحمن سوار الذهب في استقالته عن رئاسة السودان.. كما تبعه فيما بعد (جون دي كلارك) الأبيض باستقالته من رئاسة دولة (جنوب أفريقيا).. وتسليمها الى ابن الأرض (الأسود) نيلسون مانديلا.. ليكون ذلك من بين أعظم الدروس التي خلفها (سينغور) وتركتها القارة السوداء (أفريقيا) للعالم.. حتى ليصح القبول ساعتها بقول (سينغور) في (نشيد الأناشيد) الذي أعاد كتابته والحبيب الأسود يقول لحبيبته السوداء: (لأنك سوداء.. أنت جميلة)..!! في تقاعده الاختياري السياسي والشاعري النبيل.. لم تتركه السياسة ولا حياتها فقد برزت مع عودة (الديجولية) الى الحكم بوصول الرئيس جاك شيراك الى قصر (الإليزيه).. فكرة العناية ب(الفرنسية) وآدابها وثقافتها والمتحدثين بلسانها، لتتبلور في تأسيس (حركة فرنكفونية) ذات بعد ثقافي، وسياسي مرحب به من قبل كل من يقاومون (أمركة) العالم من المتحدثين بالفرنسية ومن غيرهم.. ب(مقر) و(أمين) لها.. فكان ان اختارت القاهرة (مقرا)، والدكتور بطرس غالي (أميناً) وكان الأحق بمقرها (داكار) والأجدر بأمانتها (سينغور).. لولا بعد السنغال الجغرافي على الشاطئ الغربي لأفريقيا، وعدم توسطها بين من يتحدثون (الفرنسية) في غرب وجنوب وشرق آسيا ومتوسطها، لكن مكانة (سينغور) وتاريخه وعشقه للفرنسية.. كانت تنتصر له ليتم انتخابه بالإجماع (نائباً) للرئيس.. ليكون (فتى أفريقيا): النجمة السوداء.. التي توضح بياض الفرنكفونية! لقد كان (سينغور).. عظيماً بكله، عظيماً ب(تاريخه).. متفرداً ب(أفعاله).. كبيراً ب(إنجازاته) تحت رايات الثقافة والمعرفة والإبداع وحوار الحضارات والثقافات.. ليكون مكانه في الصدارة بين (شموس) القرن العشرين ونجومه. فعندما مات (عام 2001م) فوق كل تلك التلال من الأمجاد التي صنعها.. كان العالم بيكيه وهو يردد خلفه قصيدته الشهيرة (ليلة ليلاء).. ويغنى: (هاهو الليل صياح وغضب الليل جلاد النائمين المتيقظين والشهداء الذين يحترقون فوق اسرة مثلهم العليا)!!