"الحارة" اسم كبير في نفوس سكانه، فكل شخص يفتخر بحارته، ومن عادات أهل الحجاز الجلوس في الطرقات لتجاذب أطراف الحديث مع المحافظة على التعاليم الإسلامية السمحة في آداب الجلوس في الطرقات، وكانت تكثر المراكيز (جمع مركاز وفيه يتجمع مجموعة من الناس ذو ثقافات مختلفة)، وكانوا يجعلون صدر المجلس للشخص الكبير في الحارة أو الوجيه أو الفقيه، وكانوا يجلسون على الكرويته أو الدكة أو على الحنابل، والبيت القريب من المركاز كان في العادة أهل البيت هم من يضيفون الحضور بعمل شاي بالحبك أو الدوش أو النعناع أو العطرة، وكلها محسنات للشاي لتعطي له رائحة عبقة، وكان جلوسهم في العادة يبدأ قبيل المغرب برش الأرضية بالماء لترطيب الجو وملأ الدوارك أو الشراب بماء زمزم المبخر بالمستكة. وفي جلسات أهل مكة كان يتم الصلح بين المتخاصمين، ومعاهدة الأرامل والفقراء والمساكين، وبحث أمور الحارة من جميع الجوانب، فما أبركها من أيام، وما أجملها من سنين، رحم الله أيام الطيبين. وكان الناس يستفيدون من أهل الفضل في المجلس، فقد يكون في الجلسة من يستفاد منه، بل قد لا تتيسر الفرصة للقاء به أو الاستفادة منه إلا في هذا المكان، فضلاً عن احترام الكبير وتوقيره، ورحمة الصغير والشفقة عليه، فعن ابن عَبَّاس - رضي الله عنهما - يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ"، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ". ويمكن أن يتعلم الشباب من هذه الجلسات انتقاء الألفاظ الحسنة، واختيار الكلام المناسب، فعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين، يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله - عز وجل -؛ قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: هم جماع من نوازع القبائل، يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام، كما ينتقي آكل التمر أطايبه". "من صفحة Salwa ak"