الحراك الثقافي لا يؤمن إلّا بالعمل الجماعي ،والأفكار المتباينة وهذا يعني :أنه لابد من حدوث تضافر في الجهود بين كل الفنون التي تنجبها أرحام الحروف.. بما فيها "الشعر المحكي" خصوصا أنّه يتصدر المشهد اليوم ويتقاطع بدرجة كبيرة مع الفصيح في التراكيب اللفظيّة والتصويريّة. لهذا حين أتحدث عن "الأديب ودوره" أنا لا أستثني أحدا من رواد الحراك الثقافي الأدبي. الثقافة أو المعرفة تهب أصحابها سلطة ودرجة من الريادة لذلك الأديب الذي يعتقد أنه لا يفرض قناعته على القارئ مخطئ.. لأنه يفرضها بطريقة يتشرّبها فكر القارئ بسلاسة حتى أن القارئ قد لا يشعر بها وهي تنساب وتشكل فكره، وهذا هو الذي يدفعنا أن نقول :أحمد تلميذ خالد فهو يحمل نفس الفكر. .إذن الأديب يؤثر في الحراك الثقافي سلبا أو إيجابا . سلبا حين يقبع في مخدعه منتظرًا من جهة رسميّة القيام بحراك يجدد المياه الآسنة في الوقت الذي يملك هو رأس المال "القارئ والفكر" الذي لا تملكه الجهة الرسميّة، وأنا هنا لا أنفي أهمّيّة الجهة الرسميّة في دعم الحراك الثقافي ماليا إنما أضع الجزء الأكبر من الحراك تحت مسؤولية الأديب ورهن تصرّفه. ويكون أكثر سلبية عندما يهمّش المواهب الصاعدة أو الأسماء الجديدة المتمكّنة من أدواتها والتي قد تقود الحراك مستقبلاً، وكأن الأسماء الجديدة غلطتها أنّها جديدة ويجب عليها أن تبدو مهترئة ليُسلّط عليها الضوء.. وهذه السلبية بالتحديد تدفعني للمقارنة بين أغلب أهل الأدب والفن في السعودية والإمارات فالمبدع الجديد هناك إذا بزغ إبداعه يرفعونه على أكتافهم ،ويدخل في كل قناة إعلاميّة ليزور كلّ بيتٍ في الخليج، ويزرعونه في كلّ محفلٍ حتى لاينطفئ عنه الضوء، ولهذا نرى أن الحراك الثقافي بدأ يأخذ مساره الطبيعي ويتحرك بفضل هذه النظرة الكريمة أما نحن فللأسف غالبا الحراك عراك على الأقدميّة والألقاب التي لاتسمن الأدب ولا تغنيه من جوع. نقطة أخرى سلبية وهي علاقة الأديب بالأديب _في مجال الأدب_ غالبا ما تكون محصورة بين عددٍ قليلٍ من الأصدقاء وأفراد القبيلة والحيّ الذي يقطنه وبقية العلاقات تعاني من فتورٍ إن لم يكن من حبلٍ مقطوع ،والأجدى بالأديب التفاعل مع غيره من الأدباء وتفعيل هذا التواصل على الأقل في المناسبات من خلال التهنئة على صدور كتاب، أو لقاء ..إلى آخر المستجدات التي تحل بأديبٍ ما، وبهذا يعزز من مفهوم الشراكة في صناعة الحراك الثقافي. أيضا الأديب يؤثر في الحراك الثقافي سلبًا إذا لم يصقله الأدب ويلمّ شعث شخصيّته بنظرة تُجرّد الإبداع إلّا من الإبداع_ فالإيمان بالجمال سحرٌ أخّاذ يأخذنا إلى معالمٍ إنسانية تتجدّد بتجدّدنا_ .والأديب لايعتبر جاهلاً إذا لم يفهم قصيدة أو رواية أو مقالة ما ..ولكن عندما يُبقي صاحبها خارج دائرة الإبداع ويقصيه لمجرد أنه لم يفهمها أو لم ترق للفكر الذي يخضع تحت سيادته فأولى به أن يوجّه الاتهام إلى فهمه الذي حال بينه وبين ماقرأ ..والحري به وهو الذي ندب نفسه للقيام بدورٍ في الحراك الثقافي أن يعرف أن الأدباء الشرفاء يلغون من حساباتهم الغلو في التطبيل والتعطيل لمصلحة الأدب فقط، ويعملون تحت ميثاقٍ تختلف بنوده وفقا لشعائرٍ بالغة الدقة تختلف من أديبٍ إلى آخر، ومن فن إلى آخر لكنها في مضمونها تتفق على الإنصاف للإبداع وحسب.