أنصف كُلُ من فكَر في ذلك وسعى إليه , لتكون هذه الرحاب الطاهرة هي العاصمة الإسلامية للثقافة الإسلامية , منذ قدم رسول الهداية والنور مهاجراً ومعه الصديق الخليفة الأول العظيم , منذ أن وصلت الراحلة للأرض المباركة , وفي مزاحمة القلوب والأفئدة والأرواح من أهل طيبة تحيط بالموكب العظيم يتلهفون لدعوة الرسول يحل ضيفاً لدار من دورهم " هم نشأوا على ذلك " ( يحبون من هاجر اليهم ) " يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " تجلت هذه الطباع وفي أروع صورة بدت , يمسكون بالقصواء كلٌ يريدها تحل بداره تحمل سيد الخلق , وصاحب الخُلق العظيم يُطَيْب خواطرهم بقوله " دعوها فإنها مأمورة " يكف البعض ولكن القلوب والأرواح لا تكف , تنطلق من الأفئدة كل معاني الحب النابع من القلب تعبر عن ذلك الأناشيد فتملأ الساحة بالأرض المباركة والتربة المؤمنة أول بشائر وإشراقات الإيمان تلوح , نقاء القلوب هناك بالأرض الطيبة وصفاء النفوس بقلوب نشأت أساساً على الحب والتقرب بعضهم إلى بعض , ونمت أفكارهم على صنع الجميل , تقدير الصغير للكبير والتربية المثلى كانت تبدو كقاعدة ثابتة في كل الدور , البيئة الصالحة صنعت المعجزات , استقر هناك الرسول الأعظم صلوات الله عليه , رفرف هناك علم الإيمان مستقراً على أرض صلبة ثابتة , قام الرسول ببث الدين القويم , سرت دعائم هذا الدين في كل ركن من أركان الأرض الطيبة , وبعد أن قام الرسول الأعظم بتثبيت الأركان وتوطيد عناصر الإيمان , قام بتجهيز الجيوش لتجوب أرض الله لبناء دين قويم نزل من السماء من الله الواحد الأحد , بدأ بالبلد الأمين بمكة المكرمة جاء به جبريل الأمين , وحلَ الرسول بالمدينة المنورة لنشر الدعوة ولإعداد الدعاة ، وارتفعت منارة الإسلام برحاب طيبة ، وانطلقت جيوش الخير تدعو للخير والسلام ، وتلتئم صفوف المسلمين تستجيب للدعوة , وفي مسجده المبارك تُعد حلقات الدرس , علماءٌ كبار يُفَسرون كتاب الله , ما أعظم ما أنزل بكلام الله في آياته إشراق ونور , في معاني كلماته مُثُلٌ وحكمٌ , في استيعابه جلالٌ وصلاحٌ للبشر , فيه تشريع للإسلام والمسلمين , فيه كل ما ينفع الناس في الحياة وفي يوم يرجع فيه المسلم إلى الله , ما فرطنا في الكتاب من شيء , كل مجالات الحياة يجدها المسلم في كتاب أنزل من رب السماء , وانتشرت حلقات الدرس في أروقة المسجد منذ أمَدْ , حلقات للغة العربية وقواعدها وتفسير آيات الله وأحاديث الرسول وللفقه وحلقات تتعلق بالمذاهب الأربعة إلخ , مما أداه مسجد الرسول الذي كان كمدرسة عظمى في مدينة الرسول , كم أسدى علماء مخلصون أيادي كبرى لأبناء طيبة وتخرجوا من هذا الصرح العظيم قضاةٌ وعلماءٌ وأئمةٌ ، وغير ذلك من أساتذة كبار , صلى عليك الله سيدي يا رسول الله .