أعاد وزير الثقافة الإسباني سيزار مولينا إلى الأذهان مشهداً سابقاً حدث في سبتمبر الماضي حين أعلن دعم بلاده لترشيح نظيره المصري فاروق حسني لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو في الانتخابات التي تجري في أكتوبر 2009. وجاء ذلك الإعلان خلال المؤتمر الصحفي العالمي الذي عقد بمقر وزارة الثقافة المصرية بحضور الوزيرين، بمناسبة اختيار مهرجان القاهرة السينمائي للسينما الإسبانية كضيف شرف الدورة الحالية للمهرجان التي بدأت مساء الثلاثاء 18-11-2008. وكانت وزيرة الثقافة المغربية ثريا جبران هي البطل في المشهد السابق الذي جرى أوائل سبتمبر الماضي، حيث كانت السينما المغربية تكرم في مهرجان الإسكندرية السينمائي ومعها الوزيرة. وبتزامن واضح مع ذلك المهرجان أعلن المغرب سحب مرشحته لليونسكو "عزيزة بناني" الوزيرة السابقة للثقافة رغم التوتر الذي أصاب العلاقة بين مصر والمغرب إثر إعلان كل منهما عن الدفع بمرشح لشغل المنصب. وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان صدر في حينه: إن "سحب ترشيح عزيزة بناني وزيرة الثقافة السابقة جاء بعد سلسلة من المشاورات مع مصر من أجل تعزيز فرص ترشيح عربي واحد لهذا المنصب الدولي المهم". وإذا كان بين المغرب وإسبانيا مشتركات ويجمعهما التاريخ والجغرافيا، فقد أضيف إليها بعد تصريح مولينا مساء الثلاثاء مشترك جديد، وهو التكريم في المهرجانات المصرية والتأييد للوزير المصري الذي تجاوز العديد من الأزمات السياسية في الأعوام القليلة الماضية. وتفجرت أحدث هذه الأزمات عقب تصريحات نسبت لحسني وأبدى فيها تحفظه على الحجاب العام الماضي، وسبقتها أزمة الحريق الذي نشب بقصر ثقافة بني سويف (جنوبالقاهرة) التابع للوزارة. ولاحظ متتبعون للشأن الثقافي والفني استخدام الوزير لما أطلقوا عليه "دبلوماسية المهرجانات" بعد تكرار المشهد بنفس السيناريو مع تغيير موقع الحدث من الإسكندرية إلى القاهرة، خاصة أن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي - الذي كان يتبع اتحاد النقابات الفنية - قد أكدت أنه تحول إلى واحدة من مؤسسات وزارة الثقافة شكلا ومضمونا بوضع اسم الوزارة من قبل على المهرجان. جولة إسرائيل غير أنه مع إسرائيل استخدم ما وصفته المصادر نفسها ب"دبلوماسية التصريحات". ففي أعقاب موافقة الرئيس المصري حسني مبارك على ترشيح وزير الثقافة فاروق حسني لمنصب مدير عام منظمة "اليونسكو" صرح السفير الإسرائيلي في القاهرة شالوم كوهين في سبتمبر 2007 بأن الوزير لن يتمكن من الفوز بمنصب الأمين العام لليونسكو في 2009 من دون مباركة وقبول إسرائيل، مما استدعى ردا من الوزير جاء فيه: "إذا كانت إسرائيل تقف وراء عدم فوزي بالمنصب الدولي فهذا شرف لي، على الرغم من أهميته لمصر والعرب واستحقاقي له". وأضاف فاروق حسني قائلا: عندما سألتني شالوميت ألون وزيرة الثقافة والتعليم الإسرائيلية السابقة منذ سنوات عن عدم قيامي بالتطبيع الثقافي مع إسرائيل قلت لها إن الثقافة سلاح عظيم ومهم جدا ومؤثر للغاية، ولكنه لا يتم إلا من خلال السلام العادل. غير أنه بعدها بفترة فاجأ فاروق حسني الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية بتغيير في بوصلة تصريحاته حين نسبت إليه صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قوله: "أنا مستعد لزيارة إسرائيل". غير أنه أضاف في التصريح نفسه أنه غير مستعد لتغيير موقفه المعارض للتطبيع الثقافي مع إسرائيل، مع اعترافه بإمكانات إسرائيل الثقافية، مشيرا إلى أنه لا يكره إسرائيل بأي حال من الأحوال، وأنه ليس معاديا للسامية. وردا على سؤال آخر من الصحيفة بشأن ما نسب إليه من تصريحات الصيف الماضي حول استعداده لحرق الكتب الإسرائيلية في مصر، ما أثار الرأي العام الإسرائيلي ضده، أوضح حسني أنه كان يقصد رفضه بوجه عام أي كتاب يسيء للإسلام وأن استخدامه لتعبير الحرق كان "مجازيا". ورأى في حينه د. سعيد عكاشة، رئيس وحدة الدراسات العبرية بالمنظمة العربية لمناهضة التمييز، أن الهدف من هذه التصريحات الأخيرة هو "التنصل من تصريحات حرق الكتب التي سبقتها، لاستعطاف إسرائيل واليهود، خوفا من حشد إسرائيل واللوبي اليهودي بالغرب حملة ضده تؤدي إلى عدم وصوله لليونسكو". واعتبر مثقفون آخرون أن مجرد إجراء الوزير حوارا مع صحيفة إسرائيلية هو "تطبيع مع عدو مغتصب لأراض عربية، وهذا خروج عن موقف المثقفين المصريين الرافضين للتطبيع وكان يُفترض أن يلتزم به فاروق حسني". وبوجه عام يسود تباين في أوساط المثقفين المصريين والعرب بشأن الموقف من ترشيح فاروق حسني لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، ففي حين يأخذ عليه المعارضون ما يعتبرونه "مغازلته" إسرائيل لضمان تأييدها، يرى المؤيدون أنه "رجل الانفتاح الثقافي والحوار والقادر على جعل عربي لأول مرة يتولى مسئولية هذه المنظمة الدولية". إسلام أون لاين.