نشأنا ونحن نسمع كلمة واحدة (ارفع رأسك أنت قبلي)، منذ القدم ونحن نربي أبناءنا على الكرامة، (أنت حر نفسك)، هذه هي القاعدة التي تثبتهم في الأرض، وهي ذاتها من يرضع حروفها مع حليب أمه. في الزمن الماضي كانت مناسبة، بل كان وقتها وولادتها، كان عدد الرجال أقل بكثير من الآن، كان الكل يعمل، الشاب يتزوج أول طلعته كما نقولها في مجالسنا، البنات يتزوجن أصغر سناً لا أبالغ لو قلت قبل السادسة عشر. نقف هنا لنسأل أنفسنا سؤال صريح (هل هذه القاعدة مناسبة الآن وفي هذا الزمن بالذات)؟ جوابي على السؤال لا، وألف لا، حين نربي أبناءنا على هذه الكرامة الزائفة ماذا نرتجي منهم في المستقبل، اليوم مع هذا الجيل أين الشباب، شهادات عليا، ودبلومات متنوعة، وأين الوظائف؟ لا يوجد، الحكومة وظائفها محدودة، والقطاع الخاص رواتبهم قليلة، وغير مضمونة، والقاعدة (ارفع رأسك يا القبلي)، شباب في عمر الزهور، يقبعون في البيوت ويمدون أيديهم لأخذ المصروف، وجوالات مليئة برسائل البالتوث، وسيارة ملأى بالبنزين، سهر بالليل ونوم بالنهار، والقاعدة (ارفع رأسك أنت حر نفسك). لا أعلم أين الكرامة، وهو يمد يده لأخذ مصروف جيبه، فراغ قاتل يلاحقه وهو يطارد التسلية، والنتيجة خسارة الوطن لعاموده الفقري. إذا خسرنا هذا الجيل، فلماذا نخسر الجيل القادم، لماذا لا أربيهم من الآن، السعودية بلدك فأنت الأحق بخدمتها، دعنا نعمل، اجعلنا نستغني عنهم، أعمل في بقالة، في حلقة خضار، الأهم لا تمد يدك لي وأنت رافع رأسك ولا تجعلني أصرف عليك كما أصرف على أخوتك البنات. لا تنتظر الوظيفة مثلما هم الآن ينتظرون، قدم أوراقك، وابذل مجهودك في إخراج مصروف جيبك من عمل حلال، حتى تأتي الوظيفة الحكومية. أيهما أفضل حين أمد يدي لأخذ حفنة من المال تقتطع من رزق عائلتي، وتهين كرامتي وتشعرني أنني عالة على المجتمع، ووقت فراغ كبير أهرب منه بالنوم نهاراً والسهر مع الصحبة مساءً، ومشاكل ومضاربات ومشاحنات، أم وظيفة بسيطة أتسبب بها، أجد فيها متعتي، وكرامتي، وسد حاجاتي اليومية دون مذلة السؤال. هل حال شباب اليوم مُرضٍ؟ هل العمل فقط حكومي أو خاص؟ ألا يوجد شيء اسمه عمل حر!!. هل رب الأسرة راضٍ عن ابنه، عن المبلغ المقتطع لسد حاجاته غير المبررة، هل الأم راضية عن ابنها، عن يومه الضائع وشبابه الذابل؟؟ هل هذا الشاب ينظر إلى ذاته بنظرة رضا، هل يعتقد أنه يسلك الطريق الصحيح؟ كل ما أريد قوله إن الكرامة ليست ثوباً ارتديه أمام الآخرين وأخلعه حين أكون بمفردي. أريد أن ينظر كل شاب إلى نفسه ويراجع حساباته، أيهما أفضل؟ وقفة: العمل الحلال وإن كان بسيطاً ليس عيباً، إنما العيب في صورة جسد ينضحُ بالرجولة وكرامة مزيفة، ويفتقر إلى العقلانية والكرامة الحق.