تظل مسألة الالتزام في الشعر المحك الحقيقي للحكم على هذا الشاعر أو ذاك بنضج تجربته من عدمها.. فالصلة بين الشعر والهم الاجتماعي وثيقة.. واتخاذ موقف واضح من قضية (الفن للفن) لا يعفي الشاعر من الالتزام برسالته.ولعل الشاعر العذب والخلوق في آن (مسفر الدوسري) أقرب الشعراء التزاماً من حيث مشاركته بالفكرة والشعر والفن في قضايانا وهمنا الاجتماعي وفيما نعاني من آلام وما نبني من آمال لأن الالتزام المثمر للشاعر إنما هو ذاك الذي ينبع من طبيعته وهذا ما ألحظه في فرائد مسفر.. حتى إن تجربته الشعرية متجاوبة مع الوعي الاجتماعي للجمهور المنحاز للإبداع.. وما يشغله من قضايا فردية كانت أم جمعية خير دليل على ذلك.. كيف لا؟!.. وهو نبت هذا المجتمع وغراسه.. إن مسفر الدوسري ومن خلال نصوصه التي ناقش فيها كثيراً من همومنا المتشابكة بصفوة نشيده وعصارات إلهامه عزف لنا قيثارته الخالدة الباسمة الترانيم حيناً.. والشاجية التلاحين أحياناً أخرى..ويظهر مدى التزام الدوسري في قصائده التي تحمل هماً إنسانياً والتي مثلت أغلب كتاباته في نوع التجربة وموضوعيتها وصياغة صورها وحبك بناءها وسبك لغتها إما بوصف الموقف وصفاً موحياً.. وإما على شكل قصصي مشوق.. وما تأتى له ذلك إلا لأن شعره وقبل ذلك شعوره ينبعان من طبيعة التجربة باعتبارها صوراً نفسية وكونية.. وهي صور تنم عن عميق شعوره الذاتي.. صور تنبع من داخل رؤاه الإبداعية وليست مفروضة عليه من خارجها.. والدوسري من أجل ذلك يقدم لنا أنموذجاً للشاعر الحق الذي يغذي شاعريته بجميع الأفكار النبيلة ودواعي الإيثار التي تنبعث عن الدافع وتشفّ عن جمال الطبيعة والنفس معاً.. شكراً مسفر على ما قدمت من نماذج شعرية مضيئة مازلنا نفتقد مثيلاتها في زمن ضجّ بكل ماهو قبيح مقلد.