من أشد اللحظات ألما وحسرة على الإنسان هي حالات وداع الأحباب بصفة عامة، تلك اللحظات التي تنزع الدموع من أقصى أعماق المآقي والقلوب، وأقسى تلك اللحظات وأشدها قوة ومرارة وألما هي لحظات الوداع الأخير لمن فارق الحياة الدنيا وانتقل إلى دار الآخرة. نعم. فليس شيء أقسى من ذلك على قلوب المحبين حينما يلقون النظرة الأخيرة على من يحبون. هي لا شك لحظات شديدة المرارة والألم والحسرة، ولكنها رغم رهبة الموقف وقسوة اللحظة فهي سنة الله عز وجل في خلقه، يقول جل وعلا: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] فالموت حق والفراق حتميا بين الناس. وليس هناك من يخرج عن هذا الطريق، وعن هذا النهج، بل هي سنة قد مضت منذ الأزل. ولعل مصيبتنا في حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم تجعلنا نتأسى بذلك في جميع ما يصيبنا بعدها من مصائب، ومصيبة الموت في مقدمة ذلك، وكل الناس في هذا الطريق ماضون قال الله تعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ] فالفناء مكتوب علينا جميعا دون ريب أو شك. وهنا لا أجد ما أقوله لصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي فجع وفجعنا معه بوفاة والدته الغالية. أسكنها الله فسيح جناته وغفر لها وجعل مثواها جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. - لا اجد ما اقوله - برغم مرارة الألم وقسوة الفراق وشدة الأسى والحزن الذي يعيشه ابو فيصل من هذا الفراق الأليم لا اقول له إلا أحسن الله عزاءك وأجزل لك ولجميع ذوي الفقيدة الأجر والمثوبة. وأدعو للفقيدة من قلب صادق بما دعا به رسولنا صلى الله عليه وسلم للمؤمنين فأقول: [اللهم اغفر لها وارحمها وعافها واعف عنها واكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس وابدلها دارا خيرا من دارها واهلا خيرا من اهلها وادخلها الجنة وأعذها من عذاب القبر وعذاب النار] وأسال الله جلت قدرته أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة وينور لها قبرها ويفسح لها فيه حتى تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأسال الله تعالى لسموكم الكريم ولكافة ذوي الفقيدة الصبر والسلوان وأن يحسن الله لكم العزاء ويجزل لكم عظيم الأجر ويربط على قلوبكم ويفرغ عليكم صبرا يبلغ بكم أجر الصابرين الذين قال فيهم الله عز وجل [إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ]. ونبشرك يا أبا فيصل ببشارة بشر الله بها جميع الصابرين بأن مثل هذا الابتلاء من الله فيه تطهير وتزكية للمؤمنين الصابرين، وفيه أجر عظيم فأجر المؤمن بقدر مصيبته، وهل هناك مصيبة اكبر من الموت، وفراق الأحبة، وبخاصة إذا كانت هي الأم. يقول الله عز وجل: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ]. وأسال الله تعالى لسموكم الكريم الصحة والعافية والتوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة.