استضاف منتدى الشيخ عبدالعزيز بن حنش الزهراني بمكةالمكرمة فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المفكر الإسلامي المعروف، وجرى خلال الجلسة الحديث حول عدة نقاط مهمة في تاريخ الإسلام ومكةالمكرمة والقرآن الكريم.. وقال الدكتور العودة: لو تحدثنا عن تاريخ الإسلام، لوجدنا أنه لم تقم به قبيلة واحدة أو قوة واحدة أو مدينة واحدة، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز قريشاً، ولعلها القبيلة الوحيدة التي ذكرت بالاسم من بين قبائل العرب، (لايلاف قريش...) وإنما ذكرهم الله عز وجل بايلافهم واجتماعهم، وأن رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن والشام كانت من أجل بقائهم، تمهيداً وارهاصاً للرحلة والرسالة، وسبحان الله يذكرون في التاريخ كيف أن المجاعة تأتي إلى قريش، وتموت الأسرة في خيمتها دون أن تمدّ يدها بين الناس، حتى قام قائمهم وقال قائلهم: يا معشر قريش إذا فعلتم هذا فتواضعوا، ليكون لكل فقير ومسكين حق في رحلة الشتاء والصيف، ولذلك مدحهم في قصيدة مشهورة مطرود الخزاعي (الخالطين فقيرهم بغنيهم حتى يعود فقيرهم كالكافي). بينما يقول الله تعالى نقيض ذلك عن قبيلة من قبائل بني اسرائيل (وقطعناهم في الأرض أمما) وإنما قُطعوا بسبب الشح والبخل والحقد، والمعاني السلبية التي طغت وغلبت عليهم، وكان ذلك سبباً في شتاتهم وتفرقهم في الآفاق، وتسلط الأمم عليهم. فهذه المعاني الجليلة في قبائل العرب وقبائل الإسلام، ومن شعوب العالم التي دخلت في هذا الدين، مثل الأتراك وحفظ الإسلام والدولة العثمانية التي حكمت ثمانية قرون وظلت راسخة الجذور وحامية لحمى الإسلام، وكذلك شعوب الهنود، وأيضاً الأكراد والدولة الأيوبية وصلاح الدين، ونور الدين وشهدائهم الأبرار. ولا نجحد فضل أمة من الأمم، وسبحان الله اراد الله ألا يكون لهذا الدين خاصيّة حتى ان كلمة العرب لم ترد في القرآن الكريم أبدا، اشارة الى أن الدين ليس ديناً عنصرياً، أو يمثل الشعوب. ولذلك فإن بعض الاخوة في الجمعيات الخيرية وتوعية الجاليات إذا أسلم أحد الاخوة بينما نلقنه الشهادة، نعلمه كيف يلبس الطاقية والشماغ المحلي ويجعلونه "يشخّص" فيه كما يقولون، فهذا إنسان قد يكون كندي أو غربي، أو أمريكي، وينبغي أن نوسع فيما وسعّ الله فيه، وينبغي أن يعرف الناس ان الاسلام ليس ديناً محليّاً ولا قطرياً ولا عنصرياً ولا عربياً. ولذلك كثير من الناس يصدهم عن الإسلام شعورهم أنهم ديناً خاصاً، ولذلك لا بد ان نقدم الدين الإسلامي على أنه دين عالمي، نقدمه بربانيته وجماله، وبشموليته، وبعظمته، وكما قال أخي محمد (يقصد القصيد التي ألقاها الشاعر محمد بن حوقان في بداية اللقاء) عندما اطربنا بالشعر عن مكة، وإذا تكلمنا عن قريش نتكلم عن مكة، ومن الجميل ان هذا اللقاء الطيب المبارك هو في مكة الأرض الطيبة المباركة، الأرض التي خرجت الرسالات وخرجت إبراهيم واسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأولين المهاجرين، وعاد إليها صلى الله عليه وسلم: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد). أن تكون مكة هذه المدينة العالمية الأولى التي يأتيها الناس من كل مكان للحج والعمرة وبشخصية مكة، الشخصية العالمية، حتى أحياء مكة لو سألت لوجدت أنها ليست حارات تنتمي إلى قبيلة عربية واحدة وهذا يعبر عن تنوع عرقي لهؤلاء الذين أتوا الى البيت العتيق من الصين ومن البلقان ومن روسيا ومن أوروبا ومن مصر والشام والهند والسند، ولا تجد أمة اضطهدت إلا وجزء من تاريخها ينتمي إلى مكة، اليوم نسمع عن اضطهاد المسلمين في بورما، والتطهير العرقي الآثم الذي يمارس من العصابات البوذية وأجهزة الأمن ايضا، وكانت الحكومة البورمية تنكر وربما الى الآن أن هناك تطهيراً عرقياً. وغير ذلك من الشعوب، وكانت مكة شاهداً على تلك المعاناة، فهذا البلد جعل الله فيه هذا التنوع وكان شاهداً على عظمة هذا الإسلام. وبذلك نجد ان الاسلام واجه ليس هجمة عسكرية بل حتى حضارية فكان يهدم حصون الظلام والضلال، وظلت الشعوب متمسكة بإسلامها، فكثير من الشعوب فما كان يعرف بجمهوريات الاتحاد السوفياتي أو البوسنة والهرسك أو البانيا أو غيرها التي سيطر عليها الشيوعيون وساموا المسلمين سوء العذاب، فكان الكبار يحفظون الاطفال القرآن في الخلاوي، واصول الديانة وبعد ثلاث أو أربع سنوات يخرج هذا الطفل من هذا المكان تحت الأرض وهو حافظ للقرآن، وزارني شباب بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أعمارهم 25 سنة كانوا يحفظون القرآن، وقد حفظوه تحت الأرض، وقد قاوموا ما كان يعرف بالستار الحديدي والبطش والتنكيل، والذي كان يوجد عنده مصحف كانت عقوبته الاعدام. وظل هذا الدين بقوته وعظمته يواجه كل هذه التحديات، ومن فضل الله ان يكون هذا اللقاء المبارك في هذه الأيام الفاضلة المباركة، فإن شئت تقول إنها أيام الصوم، فهو شهر رمضان الذي هو درة الشهور، وإن شئت تقول إنه شهر القرآن فإنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وكان هذا القرآن سر من أسرار حفظه لهذا الدين (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) والذي قامت أمم الأرض كلها على العناية به، كل أحد نال قسطاً من العناية بهذا القرآن، ورأينا بعض أمم الأرض عنيت بكتابة المصحف كما نجد ذلك عند الأتراك، وفي يوم من الأيام قرأت سيرة خطاط تركي ربما تراجعونها في العم جوجل مثلا، خطاط كان معاقاً يحمل على شاشة أو قطن، صغير جدا، ومع ذلك ظل يحاول حتى أصبح من أشهر الخطاطين للمصحف الشريف، وسيرته اعجوبة بصراحة. وقيض الله للقرآن من يقرأه ويجوده بالاصوات الحسنة الجميلة التي تخشع لها القلوب، وتستنير بها الأرواح، وتطمئن بها النفوس، وقيض الله للقرآن من يطبعه، وقيض للقرآن من يفسره، وهكذا وجدنا ان أمم المسلمين وقبائلهم وشعوبهم سخرت لهذا القرآن الكريم، وجعلت جهداً عظيماً من جهدها وعملها للعناية بالقرآن الكريم تأويلاً وتصديقاً لقوله سبحانه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وقرأت مرة في تفسير القرطبي ان رجلاً كان عند المأمون وكان يهودياً وسمع كلاماً من هذا القبيل حول حفظ القرآن الكريم وكان خطاطاً ماهراً فأراد أن يختبر الأمر وذهب إلى بيته وخط عدة نسخ من القرآن الكريم - ثلاث او اربع - وجعل في كل نسخة تحريفاً بسيطاً، لا يكاد يطلع عليه أحد، ثم وقف يبيعها عند باب الجامع، فوقف المسلمون عند باب الجامع وهم حريصون وفرحوا بهذه النسخة الجميلة من المصحف، ولكن لم يقل احدهم بكم هذه النسخة من المصحف أو أن يدفع ثمناً لقيمتها، وإنما ظلوا يقدمونها وينظرون هنا وهناك، ووقف أحدهم على خطأ في إحدى النسخ، فتوقفوا ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: هذا خطأ في هذه النسخة، فبدأوا يبحثون، وشكوا في الأمر، ووجدوا خطأ في النسخة الأخرى، وخطأ في النسخة الثالثة، فأخذوا جميع النسخ واحرقوها، ثم أوسعوه ضرباً، وذهبوا به إلى المأمون. وقالوا: هذا رجل يحرف القرآن الكريم، فقال: يا أمير المؤمنين إني أشهد ألاّ إله ألا الله وأن محمداً رسول الله، أنا سمعت قول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وأردت ان اختبر ذلك بنفسي، فرأيته حقيقة مادية بعدما كان ظناً، والآن اسلمت. لقطات من الجلسة - حذر الشيخ سلمان العودة عددا من شبابنا من الانسياق وراء الرد على الذين يحاولون كتابة استفزازات ضد الدين على الانترنت، لأن شبابنا يخدمون اولئك من حيث لا يدرون، فهم يزيدون من عدد الزوار الى الموقع الاليكتروني لاولئك الأعداء، مما يجعل اولئك يحظون بالمزيد من الاعلانات التجارية في الموقع لان زواره صاروا بالملايين، لكن لو ان شبابنا اهملوهم لكان ذلك افضل واردع للاعداء. - رغّب الشيخ العودة في الدعاء وقال انه من أفضل العبادات لانه من خلاله يتحقق صدق اللجوء الى الله، والانكسار بين يديه فالعبادة تشمل ما بين الحب والذل، والدعاء يحمل العبد على أن يتعاهد قلبه. - القى الشيخ (عبدالعزيز بن حنش) صاحب المنتدى كلمة في بداية اللقاء رحب فيها بالشيخ الدكتور المفكر الإسلامي (سلمان العودة) وبرواد المنتدى وضيوفه، مثمناً للشيخ العودة استجابته وحرصه على لقاء اخوانه. - القى الشاعر الشعبي محمد بن حوقان قصيدة جميلة عن مكةالمكرمة، وكذلك الدكتور الشاعر الشعبي عبدالواحد بن سعود قصيدة أخرى، نالت جميعاً استحسان الحضور. - اجاب ضيف المنتدى على تساؤلات الحضور بروحه الطيبة المعروفة، وكان لبعض الحضور بعض المداخلات.