كان يقتعد مقعداً بجانبي على متن طائرة قادمة من (القاهرة) هذه المدينة التي كانت دون كل المدائن ساهرة. لمحت في عينيه شعاعاً من ذكاء وعلى محياه بقايا من كبرياء النبلاء. بادرني بالسلام فتبادلنا معاً تحية الإسلام وبعد جنوح الطائرة إلى جوف الغمام التفت إلي قائلاً:" لقد لمحتك قبل الآن أين؟ لا أدري. عساك ممن ينتمون إلى عالم الحرف فإذا لم يقرأوا ولم يكتبوا لا يغمض لهم طرف، أجبني بربك؟ هل أنت من هؤلاء الذين يكتبون ويسهرون اجفانهم ليلاً ويتعبون من أجل غيرهم يقرأون وينعمون أجبني؟ فذاكرتي لم تعد نشطة كما كانت اتعبتها السنون فترنحت واستكانت".قلت له نعم أنا واحد من هؤلاء. قال "إذاً عليك أن تجبني على بعض أسئلة لم أجد لها جواباً". قلت له وما هي؟: 1- قال ألا ترى معي أن في هذه الحياة بعض من الالغاز التي يتعذر عليك فك طلسمها؟. قلت مثل ماذا؟ 2- قال ألم تر في حياتك لوحة فنية لرسام لو وجدت ملقاة على الأرض لا يوجد من يلتقطها لرداءة رسمتها في عينه تباع في مزادات عالمية بالملايين؟. 3- ترى أحياناً فتاة مفرطة في الجمال يكاد جمالها ينسكب منها بينما شريك حياتها يفتقد الهندام والوسامة وتغار عليه من جميع الكائنات. 4- تشاهد أحياناً فناناً صوته عذب يلامس الوجدان ويطرب الركبان ولا يوجد له اسم في عالم الفنانين المبرزين. 5 - تقرأ لكاتب قدير يملك كل مفردات الكتابة وفنون الصياغة وتراه قابعاً منزوياً وسط أوراق الصحيفة بينما من هو دونه في هذه المقومات تراه متلألأ على واجهة الصحيفة ويتقاضى أجراً باهظاً على ما يكتبه من خزعبلات. 6- يشتري أحدنا شماغاً باهظ الثمن من غسلة واحدة تتغير ملامحه ولا يستساغ لبسه مرة أخرى بينما دونه في الثمن بمراحل يدوم عشرات السنين ولا تتغير جودته. قلت اسئلتك يجيب عليها الشاعر الفحل السعودي (محمد حسن فقي) حيث يقول: الوف طباع في ألوف هياكل يحيرني منها التباعد والقرب فهذا دميم جاذب بدمامه وهذا مليح ليس في حسنه جذب وهذا صدوق ضاق قلبي بصدقه وهذا كذوب لم يمل له القلب وهذا قوي للمعارك كارهاً وهذا ضعيف هوايته الحرب فهل هو لغز في الحياة محير وإلا أنا اللغز المحير والصعب