قد يكون للعالم والمثقف دور فعّال أو جزءٌ من فعالية في سير السياسة والحكم، إذا أصاب حظاً من نجاح في انتخابات برلمانية، توصله إلى مركز النائب البرلماني أو الوزير .. وربما وصل إلى مثل هذه الرتبة من لا يملك من العلم أو الثقافة إلا النزر اليسير .. ولكن ماذا لو لم يصل المثقف أو ذو المراس في السياسة والحياة إلى مثل هذه المرتبة من الفعالية والتأثير المباشر في سياسة الدولة وإدارة الحكم؛ إما لزهدٍ منه أو لعدم حصوله على الأصوات، بينما هو يتمتع بالرأي السديد والرؤية الصائبة؟ والجواب أنه غالباً ما يلجأ إلى إبداء رأيه بالكتابة لا أكثر، سواءً من خلال كتاب أو مقال أو قصيدة إن كان ممن ينظمون الشعر.. إلا أنّ الأمر يظل بيد الحاكمين والنوّاب .. وإن جبر الكتّاب من أرباب الصحافة أنفسهم بالقول: "إنّ الصحافة هي السلطة الرابعة!" ولو افترضنا جدلاً أنّ هؤلاء تقدموا بخطوة أكثر إيجابية فكوّنوا لأنفسهم اتحاداً أو نقابة أو جمعية.. ثم بعد تشاورٍ منهم وجهد، وإعمال فكرٍ وجدّ، قد انتهوا إلى فكرة أو قرار يصبّان في مصلحة الشعب.. فماذا عليهم أن يفعلوا؟ هل يعودون إلى الكتابة التي غالباً ما تكون عقيمة في مثل هذا الشأن؟ هل عليهم أن يكتفوا بمهمة التبليغ، وإنما هذه مهمة رسل الله(تعالى) ثم الدعاة في الدعوة إلى سبيل الله؛ وقلما تفيد هنا في عملية التغيير ومهام السياسة ونظام الحكم والسلطة! فعلى العالم والمثقف أن يبحث عن دوره الفاعل الأكثر إيجابية.. وقد يقول البعض: ما للعالم والمثقف في شأن السياسة والحكم ما أنّ هناك ممثلين شرعيين قد اختارهم الشعب لهذه المهام؟ أقول: إنّ دور العالم والأديب والمثقف هو دور الموجّه والرقيب على هؤلاء الممثلين وإن كانوا شرعيين! وذلك يكون بالتفاعل معهم ومتابعة أعمالهم بالنقد والتوجيه المباشر بل المحاسبة، من خلال ندوات تثقيفية تفاعلية يدعونهم إليها بين الحين والآخر. أجل، فلتبرز الجماعة المثقفة التي لا تكتفي بمقال ينشر على ظهر جريدة، أو مجرد خطبة وربما قصيدة.. ولكن تنطلق لتستنزل ممثلي الشعب ووزراء السلطة ليس فقط لإبداء الرأي والمناقشة ولكن للمراجعة والمحاسبة على التقصير مرة والخطأ مرة أخرى.. ألم يستمعوا إلى قول الصدّيق ثم الفاروق من بعده (رضي الله عنهما وأرضاهما) للرعية: إن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوّموه؟ فردّ أحدهم بالقول: إن رأينا فيك اعوجاجاً قوّمناك بالسيف! فلم يغضبا لقوله ولا سجناه تحرزاً على ما يتوقع من فعله!