إن ما نسمعه ونعيشه هذه الأيام من ازدياد عدد اللاجئين العرب إلى أوروبا هو مؤشر خطير على حجم المعاناة التي يعيشها المواطن العربي في بلاده خاصة في ظل الفوضى التي تجتاح بعض الدول العربية حاليا، سواء نزاعات داخلية على الحكم تصل إلى المواجهات الدامية، أو اقتتال عنيف أخذ شكل الحرب الضروس بين الفريقين المؤيد والمُعارض.ونحن نعيش منذ ما يزيد عن العامين ونصف الاقتتال الشرس في سوريا والذي راح ضحيته آلاف الشهداء من الأبرياء الذين لا ذنب لهم، وعشرات الالاف من المهجرين الفارين من غمار هذا الاقتتال والموت على أمل الوصول إلى بر الأمان حيث لا قتال ولا دمار ولا دماء. إن معظم الفارين من الموت في سوريا هم من المدنيين السوريين الذين لا ذنب لهم، وجزء منهم هم اللاجئين الفلسطينيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الاقتتال الدائر في سوريا وليس لهم دخل بمن سينتصر أو من سيحكم، ولكن لأنهم دائما الحلقة الأضعف فالجميع يتكاثف ضدها كل المتحاربين. إن هؤلاء الفارين من الموت، يواجهون الموت في كل خطواتهم ومراحل تنقلهم في سبيل الوصول إلى وجهتهم النهائية وهي المكان الذي يعتقدون أنه سيوفر لهم ولعائلاتهم وأولادهم الأمن والأمان. ومعظم الفارين يعتقدون أن الملاذ الآمن هو أوروبا وما يسمعونه عنها من روايات وحكايات تُقارب حكايات ألف ليلة وليلة، وهي في معظمها روايات تفتقر إلى الكثير من الحقيقة وتُخالف في معظمها الواقع الذي يواجه الهارب أو المُهاجر إلى أوروبا. فأوروبا ليست جنة الله على الأرض بل هي قارة تحوي عددا من الدول الموحدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي، ولكنها دول يُعاني عدد منها من أزمات مالية كبيرة، ولديها قوانين ومعاهدات داخلية ضد الهجرة غير الشرعية وتدعو لمقاومتها ومنعها. تبدأ رحلة الهروب من الموت من خلال إيجاد وسيلة وطريق للهرب من جحيم القنابل والقصف والمذابح اليومية، يتم خلالها دفع مبالغ كبيرة لتجاوز الحدود من دولة إلى أخرى في رحلة مخاطرة محفوفة بالمخاطر والتضحية وصولا إلى نقطة التجمع التي يسيطر عليها تجار الهجرة والحروب الذين يقومون بجمع الأموال من هؤلاء الفارين إلى الأمل، ويحتجزونهم بشكل مُهين ولا إنساني في أماكن أقل ما يُقال عنها أنها غير آدمية، رغم أن عددا كبيرا من هؤلاء الفارين من الموت هم من حملة المؤهلات العُليا وبعضهم من ذوي التخصصات النادرة، والباقي من أصحاب المهن الحرفية الأخرى. أي أنهم جميعا لديهم أعمال وموارد زرق كريمة ولكن الدمار والقتل هو الذي أوصلهم لهذه المرحلة. المهم أن المرحلة الأخيرة من رحلة الهروب من الموت هي في حد ذاتها هروب إلى الموت، فبعد أن سلم الفارون كل ما يملكون لهؤلاء التجار لم يعد لهم خيار أو مجال للتراجع. يبدأ نقل الفارين من أماكن الاحتجاز إلى قوارب الموت، فهي قوارب مهترئة تفتقد لأبسط معايير السلامة على البر فما بالك في عرض البحر، وفوق ذلك يتم تكديس الركاب على هذه القوارب بشكل تفوح منه رائحة الموت، فالقارب المهترئ الذي يتسع لمائة شخص يتم تكديس البشر عليه كالخراف بحيث يُقارب العدد على القارب حوالي أربعمائة شخص بين رجال ونساء وأطفال ورُضع. وتنتهي فصول الكارثة ورحلة الهروب للبعض بأن يغرق القارب في البحر ويتم إنقاذ البعض وهو على قيد الحياة وانتشال جثث البعض الآخر والباقي يرحمه الله مفقودا في مياه البحر العميقة. وهكذا تصبح رحلة هؤلاء الفارين هي رحلة هروب من الموت بالرصاص والقذائف والدمار في سوريا إلى الموت غرقا في مياه البحر. رحمة الله على المتوفين وكان الله في عون الناجين في أزمتهم التي يواجهونها مع سلطات البلاد التي تستقبلهم، فهي بكل تأكيد لا تستقبلهم بالورود وإنما بإجراءات صارمة ومعقدة جدا. أما آن الأوان أن يكون المواطن العربي محميا في وطنه العربي بغض النظر عن الدولة التي ينتمي لها، وأن يكون هناك اتحاد عربي يظلل على أبنائه بدلا من تركهم عرضة للتشرد والتشرذم في بلاد الغربة عدا المخاطرة بأرواحهم ودمائهم الزكية.