لحظات الخروج من الوطن صعبة، فما هو الحال إذا كانت هرباً من قذائف دمّرت مدناً، وقتّلت رجالاً ونساء وأطفالاً، وحوّلت مسار الحياة إلى مجهول يلهث خلفه اللاجئون السوريون بحثاً عن منجى يحفظون فيه أرواحهم ولا شيء غير ذلك.. ويزيد من المر علقماً أن الهرب لم يكن جماعياً لدى كثير من الأسر، بل ما زال بعض أبنائهم في "سوريا" يصارعون من أجل البقاء، بينما قلوبهم مكلومة بمشاعر فقْد أبناء وآباء وأمهات تمزّقت أشلاؤهم دون ذنب حتى تساوت موازين الحياة والموت لديهم في مخيمات اللاجئين المنتشرة على حدود وطنهم في "الأردن" و"تركيا" و "لبنان". "الرياض" زارت "مخيّم الزعتري" الواقع في محافظة "المفرق" شمال الأردن على مقربة من الحدود السورية، حيث يقطن ما يقارب (30 ألف) لاجئ سوري، ويتزايدون يومياً لملء طاقته الاستيعابية التي تم تخفيضها من (130 ألفاً) إلى (78300) لاجئ في منطقة صحراوية نُصب عليها مخيمات يعاني فيها السوريون الأمرين في كل أوقاتهم؛ جراء هجير حر شديد تحت أشعة الشمس نهاراً، وبرد قارس -على الرغم من عدم دخول فصل الشتاء- وسط خيام بالية جعلتهم يعانون من الطقس في كل أحواله، ناهيك عن طبيعة تلك الصحراء المليئة بعواصف رملية كست أجسادهم ومخيماتهم بالأتربة. وتتفاوت يوميات الحياة لدى لاجئي "مخيم الزعتري"، فلا تكاد تمضي بين جنبات الخيم، إلاّ وتسمع آهات مرضى مسنين، وصرخات أطفال مصابين، في وقت تبرز فيه "رباطة جأش" رجال أشداء أصيبوا بعاهات مستديمة جراء تعرضهم لشظايا تفجيرات، أو طلقات نارية، بينما يتسيد مشهد تأمل الذهول لدى الكثيرين، وكأنهم غير مصدقين لواقع حالهم، فيبدو على سحنات ملامحهم ألم الماضي، وصعوبة عيش الحاضر، دون أن ينقطع تفكيرهم في مستقبل مجهول مكانه وزمانه وحاله، في حين يتدثّر طاعنون في العمر بأروقة خيام بالية، على سُرر مهترئة، ولم يبق شيء في أذهانهم سوى روح الانتماء إلى وطن يحسبون دقائقهم قبل أيامهم من أجل العودة إليه بأحسن مما غادروه. ولايزال اللاجئون في "الزعتري" -شمال الأردن- يستنشقون روائح البارود والنار، واشتعال الجثث، وحطام بيوتهم، على بعد أقل من 100 كيلو من محافظاتهم في جنوب سوريا –يحتضن مخيم الزعتري معظم لاجئي محافظة درعا جنوب سوريا-، بينما رحلة العمر قد توقفت لديهم حتى إشعار آخر، بل إنهم عادوا إلى الوراء كثيراً؛ نظراً لأن الطلاب منهم قد توقفوا عن التعليم منذ أكثر من سنة، والموظفون فصلوا من أعمالهم، بل ان كثيرا من الأسر فقدوا منازلهم بعد أن دمرتها قذائف الجيش النظامي، بل إنهم وجدوا في المخيم وهم لا يملكون سوى ما يرتدون من ملابس، بعد أن سحبت منهم هوياتهم وأموالهم، فضلاً عن تردي أوضاعهم الصحية جراء الأحداث في سوريا، ثم ازديادها سوءاً في المخيم لسببين، الأول تأثر جسدي ونفسي بما مضى من معاناة في وطنهم، والآخر بسبب عدم ملاءمة المخيم للعيش؛ مما ساهم في انتشار الأمراض والأوبئة بين اللاجئين. ويبقى المأكل والمشرب همّاً يومياً لدى اللاجئين السوريون في "الزعتري"، إذ يرفض البعض الاصطفاف في طوابير منتصف الظهيرة من أجل القبض على أطعمة وعلب ماء يتم قذفها من الشاحنات، لقولهم إنهم لاجئو حرب، وليسوا مجاعة، فيما يعجز آخرون إما لمرض أو إعاقة أو كبر سن يضطرون إلى شراء المواد الغذائية من "بسطات" تنتشر بين المخيمات، في حين يفضّل آخرون طهي مأكولات خفيفة من مواد غذائية جافة توزع على المخيمات كما تفعل "الحملة الوطنية لنصرة الأشقاء في سوريا"، وذلك بإشعال "كراتين" محاطة بطين يحتفظ بالحرارة، ولا يقل الكهرباء هماً عن غيره، إذ يقضي معظم اللاجئين ليلهم إما في ظلمة الخيام، أو يجابهون البرد أمام الخيم نظراً لأن الطرقات بين المخيمات مضاءة، بينما اقتنى الكثيرون فوانيس تعمل بالطاقة الشمسية. ومن الصدف، تجاور لاجئين كانوا جيراناً في أحيائهم في سوريا قبل أن تتم مداهمتهم من قبل أفراد المخابرات –على حد قولهم، ثم تجاوروا في عنابر السجون السورية، وأخيراً تجاوروا في مخيمات اللاجئين، ولا يفتأون عن تبادل الحكايات عن ماضيهم قبل وأثناء الأزمة حيناً، ويرددون الدبكات السورية الشعبية حيناً آخر للتنفيس عن حالهم، بينما عاش آخرون عزلة عن الحياة بأكملها على الرغم من تعلق قلوبهم بسوريا، حيث يسارعون إلى الصحافيين ليبادروهم بالسؤال عن آخر المستجدات، ويلحّون بالسؤال عن المحافظات وتطوراتها، في حين انشغل آخرون بأنّاتهم، ما بين مصابين بأمراض خطيرة، والبعض لا زال يعاني جراحه، بل ان أحدهم ظل مستلقياً في خيمته مشلولاً غير قادر على الحركة بلا كرسي متحرك، حيث لا تزال "رصاصة" مستقرة في عموده الفقري دون أن يجد علاجاً فيزيائياً يوقف آلامه. وتجلى الاعتزاز بالذات لدى لاجئين أداروا رؤوسهم أمام عدسة "الرياض"؛ بحجة أنهم لا يريدون ظهور صورهم أمام الآخرين وهم في مرحلة انكسار وضعف –على حد قولهم-، فيما رحّب آخرون على أمل أن تتحسن أوضاعهم غير القابلة للعيش الإنساني كما يصفونها، في الوقت الذي يتراكض فيه أطفال بنشوة تملؤها البراءة وهم يلوّحون بعلامة النصر، ويرددون أهازيج كانوا يرددونها إبان مطلع الثورة السورية مثل "بدنا حريّة.. بدنا حريّة"، وآباؤهم خلفهم يطأطئون رؤوسهم ويهمسون "اسكتوا.. خلاص خرجنا.. انهزمنا". ويكن معظم السوريين في ملجأ "الزعتري" مشاعر اعتزاز وتقدير تجاه "السعودية" نظير مواقفها التي وصفوها ب"الرجولية"، وليس بآخرها " الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا، والتي امتد خيرها للاجئين في"الأردن" و"لبنان" و"تركيا"، مقدمين شكرهم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، والشعب السعودي كافةً. وحظيت "الرياض" خلال جولتها بترحيب اللاجئين السوريين، حيث يتسابق الأطفال إلى أهاليهم وهم يهتفون "إجا سعودي يا ختيارة -مسنة-"، ويعقب ذلك ترحيب الكبار "حيّ الله السعودية وأهلها"، بل إن إحدى المسنات قالت ل«الرياض»أمانتك الصور فرجيها لأبو متعب"، مبديةً سعادتها بالعيادات السعودية المتخصصة التي افتتحت مؤخراً، كونها تضم استشاريين للنساء والرجال، إلى جانب صيدلية تضم كافة الأدوية المتطلبة. وأكبر السوريون " الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا"، مشيدين بطريقة توزيعها بواسطة السعوديين إلى كافة المخيمات دون توزيعها عشوائياً، فضلاً عن تنوعها واشتمالها على مواد غذائية، وصحية، إلى جانب مستلزمات الطفل، وغيرها. طوابير يومية لا تنتهي من أجل ست عبوات ماء الزميل هشام الكثيري يتوسط لاجئين سوريين يروون يومياتهم في المخيم أطفال غابت بسمتهم وهم يلعبون تحت أشعة الشمس في منتصف الظهيرة مشلول يشتكي من آلام «رصاصة» لا تزال مستقرة في عمودة الفقري أفراد أسرة يؤدون صلواتهم في خيام ضيقة .. ومسنة تكفكف دموعها حزناً على أبنائها الغبار والبرد أثرا على صحة الأطفال