علاوةً على نشاطات المستوطنين الأوائل، ضد الفلسطينيين والممتلكات الفلسطينية، فقد نشأت تنظيمات يهودية إرهابية غير رسمية. منها ما استندت إلى تخاريف دينية أو إلى أيديولوجيات صهيونية استيطانية، وما هي نابعة من النفس اليهودية المصطبغة بالعنصرية المتعالية على الفلسطينيين والعرب بشكلٍ عام. ولكنها تشترك في هدفٍ واحدٍ، وهو ممارسة ألوان الإرهاب العنيف وصولاً إلى التضييق عليهم في أرضهم وتجريدهم من ممتلكاتهم وكسر إرادتهم وإخضاعهم للدولة. حتى فاقت في إرهابها، الإرهاب اليهودي الرسمي في إسرائيل، وزاد عن المستويات الإرهابية الدولية في ذات الوقت أيضاً. وخاصةً التي تهتم بمسألة تفريغ السكان الفلسطينيين، من حيث خلق وتزوير وثائق الأراضي للاستيلاء عليها، وخاصةً التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى بزعم أحقيّتها في(إعادة بناء الهيكل) على أنقاضه. ولقد برزت خلال الآونة الأخيرة - منتصف عام 2008-، منظمة إرهابية، ضمّت في مركزها وجنباتها غُلاة المستوطنين وحملت اسم (جباية الثمن أو دفع الثمن) وهي منظمة على خلاف المنظمات السابقة التي تستهدف الفلسطينيين فقط، مثل منظمة (كاخ) التي أسسها الحاخام "مائير كاهانا" عام 1972، أو منظمة (الفهود السود) التي انطلقت قبلها بعامٍ واحد أي في العام 1971، لاستهداف اليهود الغربيين فقط، بسبب عوامل عنصرية. حيث أنها تتبنّى النشاط الإرهابي في الاتجاهين، ضدّ الفلسطينيّين وممتلكاتهم، وأيضاً ضدّ سياسة الحكومة الإسرائيليّة خاصةً فيما يتعلق بالشأن الاستيطاني. وهي في ذات الوقت تحمل تسمية لتنظيمٍ إسرائيليّ- استيطانيّ إرهابيّ يقوم بعمليّات إرهابية، وبرزت توقيعاتها على نشاطاتها التخريبية المختلفة باسم (دفع الثمن). ولقد أعلن قادة إسرائيل الرسميين عن العديد من تلك التنظيمات كاتحادات غير مسموح بها وخاصةً تنظيم (دفع الثمن). على أن هذا الاعلان سيسمح - كما المفترض- بإنفاذ القانون، ضمن أمور أخرى، في فرض إجراءات صارمة ضد أعضائه، مثل ملاحقة واعتقال للأشخاص المشاغبين والمخططين لنشاطاته الإجرامية، وإجراءات أخرى تعقب اعتقالهم مثل منعهم من مقابلة أهليهم ومحامين ووكلاء دفاع، وذلك بهدف القضاء عليه، – فيما لو كان صحيحاً- ليس بسبب حرصهم على سلامة المواطنين الفلسطينيين المتواجدين داخل الأراضي الفلسطينية، وإنما للحيلولة دون تسبب الحرج الدولي للدولة، إلى جانب المحاولة لمنع التشويش على أعمالهم السياسية من ناحية أخرى. وبالرغم من الإعلانات المتتالية من قِبل جهاز الشرطة الإسرائيلية من درجة التحسّن في مكافحة هذا التنظيم، بالعمل بحزمٍ وأكثر شِدّة من خلال (وحدة الجرائم القومية) في لواء النخبة (شاي)، والإعلان عن اعتقال أفراد مشتبه بهم بانتمائهم له، إلاّ أنّ الآونة الأخيرة قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في العمليات الإرهابية التي تبنّاها التنظيم ذاته ضد الفلسطينيين. ويتبين ذلك من خلال تصاعد عملياته الإرهابية من حيث التحرش بهم والإضرار بممتلكاتهم من مزروعات وأشجار وإعطاب سيارات وانتهاك مقدّسات من مقابر ومساجد وتراثيّات والعبث بمختلف الدور والجمعيات، إلى جانب وشم وكتابة الشعارات التي تحمل سمات العنصرية والتعالي والكراهية وغيرها. والتي اعتمدت الأعمال السريّة في أغلب الأحيان من جانب المنفّذين. يعود هذا التصعيد إلى أكثر من سبب، الأول: هو أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن يوماً جادّة في مكافحتها لأعضاء التنظيم، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، لأن تلك الممارسات تقوم بخدمة مصالحها بطرق غير مباشرة. وثانياً: فإن المشكلة الرئيسة تكمن – كما تزعم الحكومة ومخابراتها- في عدم القدرة على كشف خلاياه لا سيما وأن منتسبيه هم من صغار السن- مراهقين-، خاصةً الذين نشأوا وتخرّجوا من مدارس دينية ذوات طوابع متشددة، بالاعتماد على زرع الثقة العالية فيما بينهم لدرجة يصعب اختراقها، حيث تكون إمكانية إدخال عملاء في هذا العمل غير ممكنة. وثالثاً: هناك نواة متطرفة غير مرئيّة ترتكز مهمّتها في تجنيد هؤلاء المراهقين وتقسيمهم إلى خلايا نشطة ترمي إلى مواصلة نشاطاتها التخريبية والاستفزازية المختلفة، وأخرى نائمة، تهدف إلى استمرارية تلك الحركة حتى إلى ما لا نهاية، والحيلولة دون تقويضها. وقد استطاعت خلال هذه الفترة إلى إنتاج جيلين من النشطاء وآخرين كُثر من المقلّدين والمؤيّدين. لقد اعتاد المجتمع الدولي وبدرجةٍ أكبر الفلسطينيين، على مدى فاعلية أجهزة الدولة الإسرائيلية (المخابرات - الجيش الاحتلالي) عندما يتعلق الأمر بنشاطات عنف فلسطينية مناهضة وسواء كانت فردية أو تنظيمية، في سرعة كشفها وتفكيكها، ناهيكم عن أنها تتباهي بفاعلية أنشطتها المخابراتية ليس في الداخل فقط، بل في أنحاء العالم، وهي في كل الوقت تعمل على تحذير جهات مختلفة من إمكانية وقوع حوادث. الأمر الذي لا يجعل لإسرائيل أن تنتفع بجملة أعذارها أمام المجتمع الدولي في هذا الباب، حتى لم يتبق لديه إلاّ تفسيراً واحداً، وهو ما يعني بأن هناك غضّاً للطرف تجاه أيّة تنظيمات وخاصةً (دفع الثمن)، الذي كما يبدو قد متّعته السلطات بأغطية أمنيّة، وتجاوز في علاقته بها إلى انتهاج أدوار تبادلية معها، تهدف إلى إيجاد نشاطات تثير التخوفات لدى الفلسطينيين وتساند السياسة الرسمية الناشئة عن الدولة، بسبب اعتقادها بأنها ستساهم في دعم المطالبات الإسرائيلية خلال مفاوضاتها حول الحلول النهائية للصراع في المنطقة. لا سيما وأن هناك شواهد تدل دلالةً واضحة، بأن إسرائيل ترعى وتدعم الإرهاب الاستيطاني رسمياً، بالمال والعتاد والإجراءات الأمنية والمواقف السياسية والقضائية بشكلٍ خاص. وأيضاً من حيث عدم قدرتها على التوصل إلى قرار يعتبر التنظيم حركة إرهابية، والاكتفاء بأنه مثيرٌ للشغب وحسب. وهذا يجعل من إمكانية التقدم نحو الاستقرار والسلام بالمنطقة أمرأ أكثر صعوبة، إن لم يكن وصل إلى حد العدم. وعلاوةً على أن حكومة الاحتلال تعتبر مسؤولة مسؤولية كاملة عن الاعتداءات المنظّمة ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، فإنه ليس السهل تبرئة ساحة بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، التي ما فتئت تقدّم الدعم الكافي لشخصيات إسرائيلية متطرفة وتنظيمات أخرى مشابهة، وسواءً كانت من قِبل الجهات الرسمية أو القادمة من مؤسسات أمريكية أخرى. كما أن بعض السلوكيات العربية باتجاه إسرائيل، تُساهم هي الأخرى مساهمة فعّالة في تهيئة الأجواء أمام تنامي مثل هده التنظيمات، وذلك من خلال ما تشهده علاقاتها مع الكيان الصهيوني من تنامي ملحوظ بحجج ومبررات ليست ذات قيمة، حيث فاقت علاقاتها بإسرائيل، العلاقات الثنائية فيما بينها. وربما في هذا المجال، يمكن توجيه اللوم إلى الجانب الفلسطيني أيضاً باعتباره سمح بذلك أولاً، ومن خلال سعيه جادّاً نحو عمليات تطبيعيّة متواترة، وأخرى أمنية تعمل بفاعلية على تقييد حركة الفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم. وكان على المجتمع الدولي والفلسطينيين بخاصةً، عدم الركون إلى التلفظ بالحديث والاكتفاء بإبداء القلق فقط، والتحرك الجاد لدى حكومة الاحتلال لإجبارها على غلّ أيدي مجرميها، وإثبات عدم شرعنتها للإرهاب، وعلى إبدائها النيّة في إنهاء احتلالها لكامل الأراضي الفلسطينية. إذ لا يعقل أن تتحدث إسرائيل عن جهود السلام وهي تدعم وتسمح لإرهابها بالنمو والتقدّم. ما قد يساهم في جلب حالة الغضب الفلسطيني والعربي التي قد تؤسس لعنفٍ مضاد وربما لانتفاضة ثالثة.