هل نحن حقًا في عصر ارتقاء الوعي العربي واهتمام عامة الناس بالثقافة كما يبدو على سطح الظاهر من وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني مثل "فيسبوك" و"تويتر"؟ أم أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لم ترفع من درجة الوعي أو تزيد من أعداد المثقفين قدر ما ضاعفت أعداد الناقلين لما يسمعونه ببغائية غير قادرة على استيعاب ما تنقله للآخرين، ومن ثم انطلاق هذا الاستيعاب نحو رحلة وعي تصنع حضارة عربية راقية قادرة على تحريرنا من تخلفنا الفكري والإنساني المفجع؟. تكفي متابعة تلك الوسائل أيّامًا قليلة بعين قارئة لنكتشف أننا شعوب تهوى تكرار ما تسمع دون ابتكارٍ أصيل، فالغالبية العظمى من الآراء المختزلة التي تطالعنا عبر تلك الوسائل هي تكرار مستمر لأفكار سابقة مستهلكة يتوهم قائلوها أنهم جاؤوا بفتحٍ فكري جديد! كما نلاحظ توجهات عامة الناس نحو متابعة حسابات الضحك والفرفشة في محاولة للفرار من أعباء الحياة اليومية على النفس، أو بعض الحسابات السياسية والطائفية التي تتعمد مخاطبة غرائز العصبيات الحيوانية الشريرة في أعماق الذوات البشرية غير المتحضرة لتأجيج غضب لا مبررات له بدلاً عن فتح أبواب التحاور لإيجاد حلول حقيقية لمشكلات واقعية تستحق الاهتمام. مع قصور واضح في النضج الإنساني، والفكري، والمعرفي لدى الكثير من الشبان والشابات الذين يمثل وجودهم أغلبية في ذاك العالم الافتراضي، وهو قصور لا يُلامون عليه قدر ما تلام عليه البيئة التربوية والتعليمية والمجتمعية المنغلقة على ذاتها معرفيًا. كل هذه المعطيات تؤكد أن حالة قحط الوعي المجتمعي التي في المنطقة لم تتغير، بل انتقلت من صورة صامتة إلى صورة تعبر عن وجودها بالثرثرة. لازلنا سلبيين في تعاطينا مع الأحداث المحيطة بنا، نتبنى آراء مسبقة دون تفكير، لا نشد رحال عقولنا إلى الماضي والمستقبل بقراءة كتاب، ولا نشد الرحال في الحاضر إلى أي مكان يمكننا زيارته لاكتشافه. باختصار؛ نحن اليوم في عصر تسويق الآراء السطحية فقط، وعصر التسلية البعيدة عن عمق الثقافة الحقيقية، وهو عصر صار يتطلب من المثقف اعتناق أسلوب خطاب مُغاير يناسب عقليات الأجيال المُستهلِكة التي تستهويها التسلية أكثر من المعرفة.