لماذا نظن دائمًا أن الطفل وعاء أجوف يجب ملؤه أو جهاز ينبغي تلقينه وبرمجته؟ ولماذا نعتقد أن خبراتنا الحياتية هي التي ستفيد الأطفال اليوم بصرف النظر عن اختلاف الزمن؟ طفل هذه الأيام يفوق ذكاؤه الكثير من معدي ومؤلفي ومقدمي برامج الأطفال سواء في الإذاعة أو التليفزيون ولا عجب في ذلك.. فمعظم هؤلاء ما زالوا يكتبون ويقدمون برامج وحواديت للأطفال من خلال طفولتهم هم! ولا يدركون أن طفل القرن الجديد يختلف تمامًا عن طفل زمان.. فطفل اليوم أمامه الكمبيوتر وعالم الإنترنت؛ أو ما يعرف بالثقافة الإلكترونية التي أصبحت حقيقة واقعة، فرضها العقد الحاضر، ويجب علينا أن نضعها في حسابنا. وطفل اليوم يجيد هذه الثقافة بمهارة عالية تفوق قدراتنا نحن الكبار بمراحل. فالكمبيوتر بالنسبة للطفل لعبة وتحدٍّ ومهارة يتفوق فيها، بينما بالنسبة لنا هو آلة غالية نخاف عليها، وبالتالي نخشى التعامل معها.. وهذا أكبر مثال يدل على الفرق الشاسع بين طفل اليوم وطفل زمان الذي يُصِرُّ الكثير على وجوده من خلال ما يقدمونه له. طفل اليوم طفل استكشافي يستخدم الحاسب الإلكتروني، يحب حواديت الخيال العلمي والفضاء الخارجي بمخلوقاته الغريبة، يهوى المغامرات والإثارة، وخياله لا حدود له؛ فأين ذلك من برامجنا؟ أين الطفل من هذا كله، والمفروض أنه من أجله؟! هذا هو محور موضوعنا.. وليس معنى كلامي هنا هو السخرية من تراثنا القديم أو برامجنا، ولكن ما أقصده هو النظر بعين الاعتبار إلى التطورات التي تحدث في عالمنا! فما أقصده هو إعادة قراءة تراثنا الثقافي حسب التطور الطبيعي للحياة ومتطلباتها. خيال الطفل يسبق إبداع الكبار ابنتي ياسمين ألفت منذ 3 سنوات حكاية بعنوان "شهادة من كوكب الأرض" تحكي عن كائن مريخي سقط على الأرض هربًا من كوكبه لعدم نجاحه في أي مهنة تسند إليه، وأمامه فرصة مداها أسبوع واحد يتعلم خلاله أي عمل ليعود ومعه شهادة تثبت نجاحه وأحقيته في العودة إلى كوكبه من جديد. فيقع المخلوق في حديقة منزل ياسمين وشقيقها كريم اللذين يعاونانه في الحصول على هذه الشهادة، فما كان منهما إلا أن اختارا له مهنة صنع البيتزا؛ لأنها أسهل عمل ممكن يعلمه خلال هذه الفترة القصيرة.. وفعلا تم تعليمه أصول هذه المهنة بعد تعرضه للكثير من الأخطاء ليحصل على الشهادة ويرحل من كوكب الأرض مودعًا أصدقاءه على أمل اللقاء القريب في كوكبه.. أدركت ياسمين بحسها الطفولي أن المخلوقات الفضائية ليست كلها شريرة، بل يوجد فيها الطيب المحب، وأن كوكب الأرض يمكن أن يفيد هذه المخلوقات، ويقدم لها المساعدة، ويعلمها ويدربها، وليس العكس الذي يؤكد أنهم أصحاب التقدم والتكنولوجيا.. للمخرج ستيفن سبيلبرج، حيث العلاقة الإنسانية المذهلة مع الكائن الفضائي.. ET أدركت الفتاة أنه من الممكن التعامل مع هذه المخلوقات كأصدقاء، وأنه يمكن مصاحبتهم، وأن الاتصالات بيننا وبينهم لم تَعُد صعبة أو بعيدة المنال.. وهذا يذكرنا بفيلم ويمثل هذا الفيلم نقطة تحول في رؤية السينما العالمية للآخر القادم من الفضاء؛ فنراه مخلوقًا طيبًا يفتح ذراعيه للأرض لا كائنًا شريرًا يريد تدميرها وغزوها.. وهذا هو ما فكرت فيه ياسمين وعمرها تسع سنوات، ومن المؤكد أن هناك الكثير مثلها من الأطفال. الأطفال يعدلون قيم الحواديت أذكر أيضًا أن طفلتي اعترضت على أن الجمال هو المؤهل الأول والأخير للفتاة للفوز بالحبيب كما نفهم من الحواديت؛ فهو السبب في حب الأمير للسندريللا من الوهلة الأولى، وهو السبب في طلب الأمير في حدوتة "بدر البدور" ليدها من والدها حتى قبل أن يراها. فالفتاة لا حول لها ولا قوة، مخلوقة ضعيفة لا تملك سوى الطاعة والخنوع، وكل مميزاتها الجمال، ودائمًا نجد مصير الفتاة في يد الآخرين وليس في يدها هي. الرؤية هنا رؤية عصر مختلف: المرأة فيه دمية مستسلمة وليست طبيبة ومهندسة ورائدة فضاء كما نرى اليوم. ولذلك فقد آن الأوان لإحداث بعض التغيير على بعض هذه الأساطير التي شكلت جزءًا كبيرًا من وجدان الفتيات فيما سبق؛ فما المانع أن يختار الأمير سندريللا لأنها بنت مثقفة تجيد عدة لغات، وبالتالي يجد ضالته في فتاة تستطيع أن تكون جديرة بمشاركته في حكم بلاده ذات يوم؟! أو يعجب الأمير ببدر البدور، وهي لكاتبنا الكبير محمود تيمور؛ لأنه سمع أنها تجيد استخدام السيف الذي ذاع صيته فيه ولم يجد يومًا من يباريه في استخدامه؛ فتكون بدر البدور هي من يباريه بل وتتفوق عليه، أو يخطبها لما سمعه عن رجاحة عقلها وحكمتها دون غيرها من الجميلات. هل يمكن أن نغير وجهات النظر التقليدية في تناولنا للكتابة للطفل؟ أعتقد أنه قد آن أوان هذا التغيير وبشدة! خاصة أننا اليوم أمام أطفال يشكلون واقعًا جديدًا غير الذي اعتدناه؛ فهؤلاء الأطفال أصبحوا كتابًا لهم رأي مسموع، ونجومًا لهم وكلاء أعمال، ويوقعون على أوتوجرافات المعجبين، ويستقبلون استقبال الفاتحين عند عرض أفلامهم كما حدث مع أطفال سلسلة أفلام هاري بوتر! لقد غيرت الكاتبة الإنجليزية ج.ك. رولنج من طريقة تناول الكتاب للطفل من خلال سلسلتها الناجحة! ويمكننا بكل تأكيد أن نتعامل مع الطفل العربي والمسلم بطريقة مماثلة تأخذ في اعتبارها التطور الحادث في العالم وطريقة الطفل في استيعاب هذه المتغيرات وتمثلها، وإعادة إنتاجها بما يلائم حياة الأطفال في عصرنا هذا. وذلك مع الاحتفاظ بهذه الحواديت والأساطير كتراث جميل له بريقه سواء كان خياليا أو خرافيا أو واقعيا. كاتبة ومخرجة برامج الأطفال بإذاعة الإسكندرية.