يحتاج المرء إلى أن يستأجر عقلا إضافيا كي يحيط بما يدور حوله من إحداث متلاحقة وسريعة تتجاوز في بعض الأحيان حد الإدراك.وفي أحيان أخرى يحتاج المرء إلى أن يلغي عقله نهائيا كي يقتنع أن بعض ما يتم تداوله هو حقيقة واقعية، ومُسلَّم بها رغم أنها لا تعبر عن أبجديات المنطق.ليس في مصر وحدها تحدث هذه المفارقة بل في كثير من الأماكن، إلا أن مصر منفردة هي التي فضحت الأمر، وأعلنت عصيانا مدنيا على استئجار العقول وإلغائها. فالنخب المصرية التي كانت تتمتع بعطلة طويلة مدفوعة الأجر، خيرت مكرهة بين الاسترضاء والصمت، وانقسمت ما بين الحيرة والتشكيك في ولائها. في الحقيقة الأسئلة العالقة في أذهاننا صارت تتزاحم الى حد اختناق، وباتت تعيق حركة الأفكار عن الصعود والهبوط وصولا الى منعها التعبير. فما كان من الكثيرين إلا أن تسمر في مكانه دون حراك خوفا من الاصطدام بواقع لا يريد أن يكون حقيقة. ما يجري في الوطن العربي وفي مصر تحديدا يدعونا إلى الاستراحة من الغيبوبة الطويلة، ولكن الخوف كل الخوف على أن يتم إجبارنا على الانتقال من الغيبوبة إلى الغوص في عاصفة من الحيرة والتيه. فقد أصبح المواطن العربي البسيط لا يحتاج إلى الكثير من الانتظار كي يدرك أننا في واد وما يدور حوله شيء مختلف، وما تحمله الأخبار في واد آخر»؛ لأنه بكل بساطة عندما يدرك تكون الأمور قد تبدلت، وقبل أن يحاول التصرف وفق المعطيات الجديدة يكون تصرفه ناتجا عن ردة فعل لحدث قديم، ويكون الخبر الجديد قد وصل بالفعل. على الرغم من محاولة البعض القفز عن الواقع إلا أن النتيجة كانت اتساع المسافة بين ما نحتاجه بالفعل وما نفكر فيه، وما يدور في الواقع. ولكي نفهم فإننا نحتاج إلى الإبقاء على عقولنا دون تلويث. وبما أن الأفعال والممارسات غالبا ما تكون مقرونة بالنتائج ومعتمدة على معلومات مسبقة، فقد أدت التطورات المتلاحقة في الحياة اليومية الى حصول تفاوت حضاري بين المرء ونفسه. لدرجة أن التصادم بات وشيكا ما بين يوم المرء وغده، وصار الإنسان كالكرة تتقاذفه الأحداث التي لا تتوقف كيفما تشاء. الأحداث المتلاحقة في الكثير من بقاع الوطن العربي وتحديدا في مصر ستكون معيارا لفهمنا أو لقمعنا.