تستوقفني مراراً جملة "مالنا غيرك" بصوت محمد عبده في رائعة د.عائض القرني: "لا إله إلا الله"، رغم أني استمعت لهذه الأنشودة في مواقف مختلفة إلا أن وقعها على مسمعي يختلف في كل مرة، هي تحفة فنية إن استمعت لها في سيارة، في طريق فسيح ماداً ناظريك للأفق البعيد مستمتعاً بما حولك من خضرة أو صحراء لأضافت إلى سعادتك أضعافها، وإن أنصت لها في زاوية مظلمة بصدر فاض هماً لابتلّت وجنتيك رأفة ورحمة.بما أن القصيدة أعظم من أن تُلخص في مقال متواضع حيث رسم القرني حروفها بخلاصة علمه الغزير وتحدى الشعراء بثقة في مجاراتها؛ فقد آثرت أن أتحدث عن كلمتي "مالنا غيرك" بمعنى: ليس لنا سواك، وهما أصدق تعبير عن حال الأمة التي لن تجد العزة بغير الإسلام، "مالنا غيرك" بعد أن تكالبت علينا الأمم فتداعت علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. كما أن "مالنا غيرك" هي أبلغ ما يقال على لسان الأفراد باختلاف أوضاعهم، كلنا وكل شيء في حاجة ماسة لله، يظل الإنسان يبحث عن أسباب متناسياً مسبب الأسباب ربه ورب كل شيء، لعل التعلق بالأسباب أحد أكثر أمراض العصر الحديث انتشاراً، يسعى أحدهم لتحقيق حلم الوظيفة فيطرق كل الأبواب وينسى أن يضبط المنبه على الثلث الأخير من الليل ليطرق الباب الأعظم، يبحث آخر عن زوجة مناسبة في كل مكان رغم أن ما بينه وبينها هو في الحقيقة سجدة واحدة يتضرع فيها ب"يارب"، يلجأ آخر لأشهر الأطباء رغم أن علاجه قد يكون في ريالات يدسها في جيب فقير يراه عند باب المستشفى ذاته. رغم أن علينا استشعار "مالنا غيرك" في الرخاء والشدة، إلا أن اليقين بها يهجم على الناس في أوقات الأزمات لينتشلهم من براثن اليأس، "مالنا غيرك" يصرخ بها البحارة إذا هاجت الريح وتصاعد الموج فكادت السفينة أن تغرق،"مالنا غيرك" يلهج بها لسان سائق تاه في قلب الصحراء ونفد الوقود والماء وانقطعت الاتصالات إلا اتصال السماء، "مالنا غيرك" يبتهل بها مريض وقف الطب عاجزاً أمام وضعه وقرر الأطباء أنه يحتضر، "مالنا غيرك" يرفع بها مظلوم يديه إلى السماء فيَنزل الانتقام قبل أن يُنزِلَهما.الخطوة الأولى لإصلاح الوضع أياً كان هي التسليم بالاحتياج المطلق لله، وبأن ينسب الفضل إليه فهو صاحب الفضل من قبل ومن بعد، "مالنا غيرك" يتخلص بها الإنسان من عبودية الأسباب فيكفيه الله من كل شيء، أليس الله بكافٍ عبده؟