إن الله سبحانه وتعالى جعل جزاء الإحسان الإحسان، فما أجمل بر الولد بوالديه وان يخص الأم بالطاعة والإحسان، فهي التي حملت وليدها في أحشائها وهنا من بعد وهن، لا يزيدها نموه إلا ضعفا فوق ضعف، حملته كرها ووضعته كرها وقد أشرفت على الموت، فإذا بها تعلق آمالها على هذا الطفل الوليد، فرحت بمقدمه فتناست آلامها وضعفها ورأت فيه بهجة الحياة وزينتها، وزادها بالدنيا حرصا وتعلقا، ثم شغلت بخدمته ليلها ونهارها، تغذيه بصحتها وتريحه بتعبها، طعامه درها وبيته حجرها، ومركبه يداها وصدرها، تحوطه وترعاه، تجوع ليشبع وتسهر لينام، فهي به رحيمة وعليه شفيقة، إذا غابت دعاها وإذا أعرضت عنه ناجاها وإن أصابه مكروه استغاث بها، يحسب أن كل الخير عندها وأن الشر لا يصل إليه إذا ضمته إلى صدرها.فالأم كلمة عظيمة كبيرة الكل يشعر بها والكل يتبارى لإيجاد السعادة لها ،بكلمة حب وهدية حب لأم قضت حياتها تعمل من أجل سعادة من تحب، شعور متبادل محبة عميقة متأصلة داخل وجداننا مابين حب أم لأبنائها وحب أبناء لأمهاتهم، الجميع مابين أمهات وأبناء ينتظر بلهفة شديدة مناسبة للتعبير عن أواصر متعمقة ومليئة بالحب والمودة، فالإنسان البار هو الذي يسعى جاهدا لرسم البهجة والفرحة على وجه الأم وهو يحنو عليها مقبلا رأسها ويديها، فتكون يديه ممتلئة بشيء من البر، ومن هنا كان المسلم الحق بارا بوالديه في الأحوال كلها، عاملا على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا، في حدود طاعة الله عز وجل لا يدخر وسعا في تقديم ألوان البر والرعاية والإكرام لهما، بالوجه الطلق المحيا الباسم الثغر الفائض بالحب والحنان والوفاء والعرفان بالفضل، لصاحبي الفضل الكبير.. إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن وقوع متابعة أمته للأمم السابقة وتقليدها في كثير من الأمور من اليهود والنصارى، وليس هذا بلا شك من المدح لفعلهم، بل هو من الذم والوعيد.. فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراعٍ حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن" البخاري. وقد تابع جهلة هذه الأمة ومبتدعتها في عقائدهم ومناهجهم وأخلاقهم وهيئاتهم في ابتداع عيد الأم، وهو اليوم الذي ابتدعه الغرب تكريما في زعمهم للأم، فيصل فيه الناس أمهاتهم ويبعثون لهن الهدايا والرسائل الرقيقة.. فإذا انتهى اليوم عادت الأمور لما كانت عليه من القطيعة والعقوق.. والعجيب من المسلمين أن يحتاجوا لمثل هذه المشابهة وقد أوجب الله تعالى عليهم بر الأم والإحسان إليها وحرم عليهم عقوقها، وجعل الجزاء على ذلك أرفع الدرجات. فكيف ينسى أو يتناسى الواحد منا الأيام الصعاب التي واجهها الوالدان في سبيلنا، من حمل ومن رضاعة ومن تربية ورعاية وبذل المال والنفس لسنين طوال، فلقد وهبوا لنا كل حنانهم ودعوا لنا بالخير والأمان، بدون منٍ ولا أذى وبدون مقابل، ولا يريدون منا إلا البر اليسير والاحترام والتقدير والمداراة الجميلة البسيطة، فلماذا نريد أن نكسر خاطر الأمهات فهو من صميم الدين، فأيام السنة كلها بر بالأمهات، فلا تقول هذا من فعل الغرب بل نحن المسلمين اسبق منهم إلى البر ونحن أولى بالإحسان منهم، فلماذا تريد كسر خاطر الأم.. وينبغي أن نقول لمن أراد أن يحسن إلى أمه في أي وقت فليحسن وليداوم على هذا البر ولا يتوقف عند يوم معين، فإن من شيمة ديننا الحنيف الوصية بالوالدين، وإن بر الوالدين والإقبال عليهما بالقلب النابض بالحب واليد المبسوطة بالبذل وبالكلمة الطيبة المؤنسة والبسمة المفعمة بالود، لخليقة أصيلة من خلائق المسلمين، وما ينبغي للمسلمين أن تغيب فيهم هذه الخليقة مهما تعقدت أمور الحياة، ومهما طرأ عليها من تطور ومهما تجمع فوقها من ركام العادات المستوردة، فهي من الخلائق التي تحفظهم من تحجر القلب وتقيهم من أنانية السلوك، وتردهم إلى أصالتهم وإنسانيتهم ووفائهم، فذلك القلب الذي شملني حنانا وتلك العيون التي سهرت علي رعاية، أتستحق أمي بعد ذلك أن أجعل لها يوما فقط في السنة؟! لا يا أمي، لن أجحدك بعد اليوم فعيدك يا أمي هو رؤيتك كل يوم، فليس مطلوبا منا الكثير سوى أن نبدأ من الآن بود الوالدين، فلنعمل على رضا الوالدين ونستثمر وجودهم، فوجودهم بيننا حسنات علينا أن نحافظ عليها ونستغل دعاءهم ورضاهم، فالزم البر بوالديك قبل فوات الأوان واعمل على الإحسان إليهما، فالإسلام يسمو بهديه النقي في تصوير مكانة الوالدين وبسط السلوك الخلقي الراقي الذي يجب على المسلم أن يتبعه في معاملة والديه.