ملعونة هي السلطة التي يؤدي التمسك بها بهذه الصورة المرضيّة إلى كل هذا الدمار وهذه المآسي والكوارث الإنسانية التي تحوّل حياة الملايين إلى جحيم. وملعونة بحسبانها مرضًا عضالاً لا فَكاك من سطوته وشهوته، فالسلطة - كما يصفها البريطانيون - داء يصيب الإنسان ويبقى لصيقًا به حتى القبر.. وقليلون هم الذين حباهم الله بالحكمة ونعمة التفكير الرصين فقرروا الابتعاد عنها في الوقت المناسب قبل أن تنسد الدروب وتضيع البوصلة ويغيب الهدف وتتلوث الأيادي بدماء الأبرياء وتتلطخ بالفساد ويتحول الحكم الذي يفترض أن يكون راشدًا إلى ديكتاتورية سوداء تكمم الأفواه وتملأ المعتقلات والأقبية بسجناء الرأي والضمير. لعنة السلطة تبدو واضحة وجلية وضوح الشمس إذا نظرنا إلى ما يحدث في سوريا، حيث قال الشعب كلمته في هذا النظام الذي أذل الناس واعتمد سياسة القبضة الأمنية عقودًا وحوّل الوطن إلى معتقل كبير.. هذا الشعب الأبيّ المناضل قال كلمته وقدم التضحيات الجسورة حتى يزيح عن صدره هذا الكابوس.. ولكن شهوة السلطة جعلت دائرة القتل والدمار تتسع لتشمل كل القرى والمدن والبلدات، حتى تحوّل الوطن الجميل إلى خراب والشعب المناضل إلى لاجئين يبحثون عن الأمن في مخيمات اللجوء بعد أن هجروا بيوتهم المدمرة. الثورة مستمرة واللعنة مستمرة، فالذين خرجوا حاملين رؤوسهم على أكفّهم لن يعودوا إلا وهم رافعو رايات النصر. والصمت عن الجرائم التي ترتكب في حق الشعوب ليس معناه القبول بها أو الصفح عنها، وتختزن ذاكرة الشعوب كل الوجوه التي مارست التعذيب بحق الأبرياء والتي نهبت أموال الشعب وأساءت للجماهير. ولن يكون بعد الآن هناك عفو عن الذين قتلوا ودمروا ونهبوا وأساؤوا لصورة البلد، ويجب أن يقتص الشعب من جلاديه وأن يقدموا إلى ساحة العدالة ليحاسبوا على كل ما فعلوا.قلبي يمزقه الأسى وأنا أرى ما يحدث في بعض بلادنا العربية التي ما زالت تئن وتشكو وتتعذب لأن الذين اغتصبوا السلطة بليلٍ ليسوا أهلاً لها وإنما هم قتلة وجلادون وسارقون، وآن الأوان أن يرحلوا،حتى تتطهر الأوطان.