أدخل إلى أي مطعم وأشبع جوعك، تناول ما لذ وطاب من الطعام والشراب لكنك لن تستطيع المغادرة إلا إذا دفعت الفاتورة، إذهب إلى السوق، أشبع رغبتك في التسوق، لكنك لن تحصل على أي شيء إلا إذا قمت بدفع الثمن، استمتع بالإقامة في أي فندق لكنك لا بد أن تدفع فاتورة الإيواء والطعام وإلا فستذهب إلى السجن بتهمة الاحتيال، حاول أن تقرأ أي كتاب أو جريدة أو حاول تصفح الإنترنت أو الآي باد لتشبع فضولك لكنك لن تستطيع أن تحصل على أي معلومة إلا إذا دفعت الثمن! تزوج، سوف تدفع تكاليف الزفاف ثم تدفع فيما بعد مصاريف الزوجة والعيال وإذا تأخرت عن ذلك فربما تواجهك سلسلة من قضايا الأحوال الشخصية أيسرها المطالبة بنفقة زوجية ونفقة حضانة وأعسرها دعوى تطليق لعدم الإنفاق! صادق من تشاء، ستأتي اللحظة التي يجب عليك فيها أن تدفع الثمن بغض النظر عن ظروفك المالية الخاصة وإلا فسوف تتم مقاطعتك بتهمة التنكر للصداقة فالصديق سيرمي صداقتك في أقرب سلة مهملات إذا لم تساعده عند الضيق، اقترب من أي بنك وخذ قرضاً، ستكون ملزماً بدفع المبلغ الأساسي للقرض، زائد الفوائد، الرسوم، وأي نفقات مصرفية أخرى وتذكر أن عدم سداد أي قسط سيعرضك لدعوى قضائية مصحوبة بمنع سفر! باختصار، لا يمكنك الحصول على أي سلعة أو خدمة في هذا العالم إلا إذا سددت الثمن أو الفاتورة بالكامل ولو فكر الإنسان في عدد الأثمان والفواتير التي يكون ملزماً بتسديدها كل يوم فلربما دخل في إضراب مفتوح عن الحياة نفسها. الأم هي الشخصية الوحيدة في العالم التي تكون مستعدة دائماً للتضحية بكل شيء من أجل أبنائها دون أن تنتظر دفع الثمن أو سداد الفاتورة، وحدها الأم ، تقدم لأبنائها خدمات مميزة ومستمرة بلا فواتير، الأم تقدم لأبنائها الطعام، الشراب، العلاج، التسلية، والتدليل بلا مقابل، عيون الأم وحدها هي التي ترى أبناءها صغاراً مهما كبروا وأصبحوا رجالاً، وحتى إذا فشل أحدهم في الدراسة أو العمل أو الزواج فهي لن تتخلى عنه أبداً وتظل تزوده بمساندة اجتماعية مجانية فتحتضنه، تواسيه، وتشجعه بلا حساب إلى أن ينهض من كبوته، حتى النساء المتزوجات اللائي حُرمن من نعمة الإنجاب يغدقن على أطفالهن بالتبني عطاء بلا حدود مما يؤكد أن الأمومة ليست علاقة بيولوجية فحسب بل إنها أيضاً علاقة نفسية تنم عن استعداد المرأة للعطاء بلا حدود حتى لأبناء الآخرين، ولعل منظر الطفلة الصغيرة وهي تحتضن عروستها يقول الكثير إنه تعبير مبكر عن هذه الأمومة الفذة العطاء. ورغم أننا نحفظ الكثير من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تمجد عظمة الأم، إلا أن أغلبنا لا يشعر بعظمة الأم ويعتبر كل ما تقدمه من خدمات مجانية مجرد واجب روتيني لا تستحق عليه الشكر، بل إن أشهر علماء الاقتصاد في العالم تنكروا لأمهاتهم وقرروا أن الأعمال المجانية للأمهات في المنازل لا تدخل في حساب الدخل القومي، لكنهم قرروا أن ذات الأعمال تدخل في حساب الدخل القومي إذا قدمتها الأمهات العاملات للغرباء في الأماكن العامة! وفي الختام، لا أملك إلا أن أطلب عفو أمي من على البعد وأن أشيد بكل الأمهات العاملات في داخل المنازل وخارجها وأقول لهن بصدق شديد: "لا يُوجد في هذا العالم أي إنسان أعظم من الأم".