أمير القصيم يترأس اجتماعًا لاستعراض استراتيجية السياحة الوطنية وأداء القطاع السياحي بالمنطقة    مستقبل الأمن الرقمي سيجمع بين قدرات البشر وقوة الذكاء الاصطناعي    القدية تفتتح أول أصولها "Six Flags" في 31 ديسمبر    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    المتصدّر يتعثر.. والعلا يقفز إلى الوصافة    "الشورى " يقر مشروع تطوير الاطار التشريعي للإجراءات الجمركية    محافظ الطائف يطلق مبادرة "شتاؤهم عون ودفء" ويطّلع على خطط شركة المياه الوطنية    أمين نجران يتفقد المشاريع البلدية في محافظة شرورة ومركز والوديعة    الهجانة.. إرث وطني ودور أمني راسخ    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق مهرجان القراءة ال 25    وزير الخارجية ونظيره العماني يعقدان الاجتماع الثالث للمجلس التنسيقي في مسقط    سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعا 67 نقطة    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    بدء الاستعدادات لتنظيم النسخة الثانية من المؤتمر الدولي للعواصف الغبارية والرملية نهاية 2026م    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    مستشفى الملك خالد بتبوك يحقق إنجازات نوعية    "التخصصي" يحقق جائزة "أبكس" للتميّز من الجمعية الأمريكية للرعاية التنفسية    محافظ أحد المسارحة يهنئ سعاد عسيري بمناسبة تدشين روايتها «نبيّة وبيوت الموت»    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    هبوط الين أمام اليورو والفرنك السويسري    الإدارة العامة للاتصالات والأنظمة الأمنية تدعم الجاهزية التشغيلية في معرض «واحة الأمن»    زراعة النخاع العظمي الذاتية تسجل نجاحها الثالث    مدرب نابولي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    الأخضر خرج خالي الوفاض    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    عراقجي: التكنولوجيا باقية رغم الضربات.. إيران تقر بتضرر منشآتها النووية    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    بناء القدرات وتبني الابتكار وتعزيز الشفافية.. السعودية تتقدم في مؤشر أداء الأجهزة الإحصائية    بهدف تعزيز بيئة العمل الداخلية.. وزير«الموارد» يدشن «الغرف الإبداعية» بالجهات الحكومية    أكد على تمكين المستثمرين الصناعيين..الخريف: 790 مليار ريال مساهمة «ندلب» في الناتج المحلي    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    «الآسيوي» يعتزم إطلاق «دوري الأمم»    إرادة تتغلب على الإعاقة    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن بجازان    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    تقدم في نزع الألغام ببابنوسة.. تحركات دبلوماسية لوقف النار في السودان    روسيا تشكك في جدوى المبادرات.. زيلينسكي يرفض التنازل عن الأراضي    المحسن يكتب.. وَهَبهم البطولة والإنتصار .. بأهدافه وتخطيطه المكّار    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأمريكي "تيين" بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2025    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    الزايدي محاضراً    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإفلات من العقاب وقوانين الحرب
نشر في البلاد يوم 01 - 10 - 2012

في المقدّمة التي كتبها لكتابٍ كُرِّس لمجزرة صبرا وشاتيلا، أورد الصحافيّ الفرنسيّ الإسرائيليّ أمنون كابليوك تصريحًا لأمير دروري أحد الجنرالات الإسرائيليين، وأحد المسؤولين عن تلك المجزرة؛ كان قد أصدره بعد مرور عشرين سنةً على وقوعها، جاء فيه: "دخل 150 عنصرًا من قوّات الكتائب مخيّم اللّاجئين. في الجهة المقابلة، كانت التّقديرات تشير إلى وجود 2000 إرهابيّ. ولم يخطر ببالي إمكانية أن ترتكب مجزرة؛ ولكنْ ما أقلقني حينها هو إمكانية أن نجد أنفسنا مضطرّين إلى التدخل لإنقاذهم (يعني أفراد الكتائب) بسبب عدم تكافؤ القوى (...). وتبيِّن خلاصة تقرير كاهان، أنّه ما من إسرائيليٍّ -سواءً كان عسكريًّا أو مدنيًّا- قد علِم بوقوع المجزرة، أو شارك فيها، أو علِم بها أحدٌ في الوقت الذي كانت تُرتَكب" (يديعوت أحرونوت، 31 أيار / مايو 2002).
بعد أن فضح كابليوك مزاعم هذا المسؤول، أشار إلى قلّة الاكتراث التي تثيرها ذكرى المجزرة في إسرائيل؛ خاصة أنّ مجازر أخرى ارتكبتها إسرائيل لاحقًا (في حرب تمّوز / يوليو 2006، وفي عدوانها على غزّة في 2008-2009) قد أنست الناس مجزرة صبرا وشاتيلا. ونحن نذكر في الغرب تقرير لجنة التحقيق الإسرائيليّة (لجنة كاهان) الذي أشار إلى بعض المسؤوليات؛ ممّا أدّى إلى استقالة وزير الدفاع، المسؤول الرئيس عن المغامرة اللّبنانيّة، الجنرال أريئيل شارون. غير أنّنا نسينا كيف أخفت تلك اللّجنة بعض الوقائع، وخفّفت من مسؤولية الحكومة الإسرائيليّة. والمفارقة أن ما يذكره الرأي العامّ الغربيّ من صبرا وشاتيلا -إضافةً إلى تظاهرات مئات الآلاف من الإسرائيليّين المندِّدين بالمجزرة- هو أنّ لجنة التحقيق قد أنجزت عملها، وهو ما يؤكد أنّ إسرائيل هي "دولةٌ ديمقراطيّةٌ". وهذه الحجّة تتكرّر باستمرارٍ لتلطيف المسؤولية الإسرائيليّة. وهل تُعفَى دولة من مسؤولية مجزرة ترتكبها لكونها ديمقراطيّةً فحسب؟ وهل تكون القنبلة التي تسقط على أحد المخيّمات مختلفةً، في حالة ما إذا كانت الدّولة التي تلقيها ديمقراطيّةً؟بعد مضيّ ثلاثين عامًا على وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا؛ لا يزال المجرم مفلتًا تمامًا من العقاب. ولم تنجح عمليّات استنهاض المجتمع المدنيّ، ولا المساعي المبذولة لجرّ شارون إلى المحاكم البلجيكيّة أو الأوروبيّة باسم الولاية القضائيّة العالميّة. لماذا هذا الإفلات من العقاب؟ لمحاولة إدراك السّبب؛ لا بد من العودة إلى المساعي الهادفة إلى تعريف قواعد القانون الدّولي بالقانون الإنسانيّ.غداة الحرب العالميّة الثّانية، وُضعتْ اتّفاقيات جنيف المتعلِّقة بحماية المدنيّين أثناء الحروب في 12 آب / أغسطس 1949، ووُقِّع البروتوكولان الإضافيّان في حزيران / يونيو عام 1977. وكان المجتمع الدّولي قد قبل الالتزامات التي تُطبَّق على جميع أطراف أي صِراعٍ؛ بغضّ النّظر عن شرعيّة قضيّتهم. وتُبيِّن المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأوّل بوضوحٍ، "قاعدةً أساسيّةً" هي التالية: "على أطراف النّزاع، تمييز السكّان المدنيّين من المقاتلين، وتمييز الأملاك ذات الطابع المدنيّ من الأهداف العسكريّة؛ ومن ثمّ ألّا توجَّه عمليّاتها إلى غير الأهداف العسكريّة، وذلك من أجل ضمان احترام السكّان المدنيّين والأملاك ذات الطابع المدنيّ وحمايتهم".
صحيحٌ أنّ هذه الأهداف لم تتحقّق في كثيرٍ من الأحيان، خصوصًا في ما يتعلّق بحروب التّحرير في العالم الثّالث؛ إلّا أنّ نهاية الحرب الباردة قد منحت الأمل في التّغيير، لاسيّما مع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002. وذلك على الرّغم من رفض الدّول المهمّة -مثل الولايات المتّحدة، وروسيا، والصّين- توقيع نصّ إنشائها. وفي الوقت الذي يحتدّ فيه الكلام عن حقوق الإنسان، وعن ضرورة مكافحة جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة والإبادة الجماعيّة؛ يبدو احتمال محاكمة مجرمي الحرب مقتصرًا على بعض حكّام الدّول الأفريقيّة.
والأهمّ من ذلك ربّما، هو أنّ 11 أيلول / سبتمبر 2001، وإعلان الحرب على الإرهاب؛ قد دفعا بعددٍ من الحكومات إلى المجاهرة -بدرجاتٍ متفاوتةٍ- برفضها علنًا لمبادئ العدالة الكونية التي بدت مكتسبةً، والتي تنطبق على الأقوياء كما على الضّعفاء.
هكذا، تساءل جون بودهوريتز وهو أحد منظّري المحافظين الأميركيّين الجدد في مقالةٍ نُشِرت بصحيفة "نيويورك بوست" الأميركية بتاريخ 25 تموز / يوليو 2006- في أثناء الحرب على لبنان: "ألم تتطوّر الدّيمقراطيّات اللّيبراليّة إلى درجةٍ تخوّل لها خوض حروبٍ فعّالةٍ بسبب اهتماماتها الإنسانية الأخرى...؟". ويتابع قائلًا: "وماذا لو أنّ خطأَنا التّكتيكي في العراق، يتجسّد في أنّنا لم نقتل ما يكفي من السُنّة في بداية تدخُّلنا؛ لتخويفهم منّا، وبثّ الرّعب في نفوسهم، حتّى يقبلوا أيّ شيءٍ؟ ألم يكن بقاء الرِّجال السنّة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 35 سنةً على قيد الحياة وراء التمرّد، والسببَ الأساسَ للعنف المذهبي؟".
وأضاف بودهوريتز: "ماذا كان سيحدث لو كانت إسرائيل تملك جميع الإمكانات لتحقيق أهدافها. ولكنّها لا تستطيع أن تستخدمها من دون قيود ضد عدوٍّ أشدّ خطرًا وأدنى أخلاقًا وأقل مبادئ، بل وأكثر همجيّةً، من القادة الوحوش للانتفاضة؟".
وختم كلامه قائلًا: "هل هذه هي المفارقة المرعبة في فنّ الحرب في القرن الحادي والعشرين؟ إذا كان من غير الممكن أن تُهزم إسرائيل والولايات المتحدة عسكريًّا بالمعنى التقليديّ، فهل اكتشف أعداؤنا وسيلةً جديدةً للانتصار؟ ألا يسْعَوْن إلى النّصر من خلال جعلنا نفقد أخلاقنا فحسب، ممّا يجعلنا نواجه تحدّي بلوغ مستوى وحشيّتهم، وهم يعلمون أنّنا لن نفعل ذلك؟ (...) هل من الممكن أن تُعرِّض عظمةُ حضارتنا الأخلاقية - والقيمة المذهلة التي يكتسيها الإنسان فيها- مستقبلَ حضارتنا للخطر؟".
يسجِّل هذا المنطق المرعب عودةً إلى الوراء مقارنةً بالمسلَّمات -النظريّة منها على الأقلّ- التي باتت قيد التّداول بعد الحرب العالميّة الثانية، ونعني تعريف القواعد الكونيّة للقانون الإنسانيّ. ويخطئ من يظنّ أنّ هذا المنطق يقتصر على بضع دوائر معزولةٍ. إلّا أنّ من يحمل لواءه بصورةٍ أساسيّةٍ، هو تيّار المحافظين الجدد في الولايات المتّحدة. هكذا، يشرح أستاذ القانون في جامعة هارفارد ألان ديرشوفيتز وهو مدافعٌ شرِسٌ عن أيّ نشاطٍ إسرائيليٍّ، الأمر بالقول: "لابدّ للقانون الدّولي ولمن يديرونه، أن يفهموا أنّ القواعد القديمة" لا تنطبق على هذه الحرب غير المسبوقة ضدّ عدوٍّ متعصِّبٍ لا يرحم، وأنّ "قوانين الحرب والقواعد الأخلاقية، يجب أن تتكيّف مع هذه الحقائق الجديدة".
وقد رأينا في فرنسا عددًا من المفكِّرين، يدافعون عن هذه النّظريات. يؤكد كلود لنزمان في صحيفة "لوموند" الفرنسية في 4 آب / أغسطس 2006 -وهو يستعيد الحجّة التي قدّمها "الفيلسوف" برنار هنري ليفي. وهو نفسه الذي دخل غزّة في شتاء 2008 على ظهر دبّابةٍ إسرائيليّةٍ، مدافعًا عن جرائم الحرب التي ارتكبها جيشه المفضَّل- أنّ إسرائيل كانت ستختفي من الوجود منذ زمنٍ طويلٍ؛ لو لم تبالغ في ردّة فعلِها. ومن النّاحية النظريّة، تُعدُّ هذه خطوةً كبيرةً إلى الوراء؛ إذ يدعونا فيها هؤلاء المسؤولون والمفكِّرون إلى الاعتقاد بوجود فارقٍ أساسيٍّ بين البشر، بين البيض والآخرين، وهو فارقٌ يشكِّل عودةً إلى العقليّة الاستعماريّة العلنيّة.
في عام 1898، دافع أستاذ العلوم السياسيّة هاينريش فون تريشكه عمّا كان يبدو بديهيًّا لمعاصريه: "يستحيل القانون الدوليّ عباراتٍ فحسب، إن كنّا نسعى إلى تطبيق مبادئه على الشّعوب الهمجيّة. فلمعاقبة قبيلةٍ زنجيّةٍ، لابدّ من حرق قُراها؛ إذ لن يتحقّق شيءٌ، ما لم نجعل منها مثالًا. ولو طَبّقت الإمبراطورية الألمانيّة القانونَ الدوليّ في مثل هذه الحالات؛ لما عُدّت تلك الخطوة مبادرةً إنسانيّةً أو عدالةً، وإنّما كان لينُظر إليها على أنّها ضعفٌ مخجِلٌ". فقد اختُرِعت رصاصة "الدمدم" (المتفجرة) في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت تتسبّب في جروحٍ خطيرةٍ جدًا. في عام 1897، حَظَرَت اتّفاقية لاهاي الدوليّة -التي تبنّتها الدّول المتحضّرة- تلك الرصاصة، و"جعلت استعمالها مقتصرًا على الطرائد الكبيرة، والحروب الاستعماريّة". وبالنسبة إلى همجيّي اليوم يمكن استخدام القصف الكاسح والعشوائيّ والقنابل الانشطاريّة، إذ إنّهم لا يفهمون لغةً أخرى.ولا تشكّل هذه الرؤى للقانون الدوليّ، تلك التي لا تُطبَّق إلّا بطريقةٍ انتقائيّةٍ؛ تراجعًا استثنائيًّا فقط للفكر والأخلاق، بل إنّها تشوِّه خطاب حقوق الإنسان الذي يَدّعي الغرب أنّه بطله، وتُعزِّز تلك الرّؤى التي نَدّعي نحن مكافحتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.