الهندسة الوراثية من العلوم الحديثة التي أنبثق نورها على يد العالم النمساوي جورج مدنل في منتصف القرن التاسع عشر، ولا يسع المقال عرض خطوات التطور التاريخي لهذا العلم، ولكن ما يهمنا في هذا المقال التطرق لبعض ملامح التطور الكبير الذي حدث فيما يعرف بعلم الهندسة الوراثية للمحاصيل Genetic Crops Engineering الذي يعتقد الكثير من علماء الهندسة الوراثية وعلماء التغذية في العالم، أنه سيضع نهاية لشبح المجاعة الذي يهدد سكان الكرة الأرضية، خاصة دول العالم الثالث، الهندسة الوراثية لزراعة المحاصيل في معناها البسيط استباط سلالات جديدة من المحاصيل الزراعية ذات صفات وراثية تميزها عن أسلافها كزيادة مقدرتها على مضاعفة الانتاج، ومقاومة كل من الحشرات والآفات الزراعية والجفاف. من أشهر الأمثلة في عمليات التعديل الوراثي في للمحاصيل الزراعية Genetic Modified Crops ما قام به عالم الوراثة الأستاذ الدكتور Igno Potrykus المشرف علي معهد التقنية الفدرالي السويسري في مدينة زيورخ لعلوم الوراثة، هذا العالم الفذ قام بعمل من شأنه القضاء على المجاعة في العالم الثالث، و لو كان الأمر بيدي لمنحت هذا العالم عشرة جوائز نوبل، هذا الرجل قام بزراعة جين وراثي استخلصه من نبتات النرجس البري Daffodils بمساعدة البكتيريا في نوعين من أنواع الأرز المعروفة وهما الأرز المعروف باسم الأرز الذهبي. أما النوع الثاني فيطلق عليه أسم الأرز الأبيض وكلا النوعين منتشرين في مناطق عديدة من مناطق العالم الثالث، الجين الذي استخلصه هذا العالم من نبات النرجس البري مسئول عن تكوين مادة بيتا- كاروتين Beta-Carotene وإلي هذه المادة يعزى اللون الأحمر لكل من الطماطم والجزر، ومن المعروف أن هذه المادة أي البيتا كاروتين تستطيع أنزيمات كبد الأنسان تحويلها إلى فيتامين أ، وهذا الأمر يعني رفع القيمة الغذائية للأرز المعدل وراثيا, كما يُغني شعوب الدول الفقيرة عن شراء مصادر فيتامين أ في المواد الغذائية غالية الأثمان كما في اللحم ومشتقات الألبان والخضروات والفواكه الأخرى، وهذا يعني وجبة يومية من هذا الأرز المعدل تقي أطفال الشعوب الفقيرة خاصة في منطقة جنوب أسيا وأفريقيا من أمراض العيون الشائعة والناتجة عن نقص فيتامين أ, ويعتقد الدكتور Igno أن هذا الأرز الذهبي المعدل سيعمل علي تحسين الوضع الصحي لجميع أطفال العالم، حقا هؤلاء هم عظماء التاريخ، وكم كنت أود أم استرسل في هذا الموضوع الشيق والمفرح ولكن المقام لا يسعفني!! الخبر المذهل ما وردنا من الصين، في شهر يناير من هذا العام حيث نجح باحثين من جامعة هينان Hainan University الواقعة في جزيرة هينان جنوب الصين، تعديل بعض النباتات وراثيا بحيث أصبح لهذه النباتات القدرة على العيش والنمو بماء البحر، ومن هذه المحاصيل الطماطم والباذنجان الأسود والفلفل حيث أصبحت شواطئ هذه الجزيرة تعج بمزارع هذه النباتات، ولكن الخبر الذي أثلج صدورنا هو النصر العلمي الغير مسبوق الذي حققته جامعة هينان في تقنية التحول الوراثي Transgenic Technology، حيث استنبط خبراء هذه الجامعة سلالات جديدة معدلة وراثيا من لأرز قادرة على العيش بماء البحر, هذا الأمر يعني ببساطة القضاء على المجاعة في العالم وإلى مزيد من التفصيل الأسبوع القادم.