يشير تاريخ إسرائيل منذ قيامها أن فلسفتها في البقاء، يعتمد في الأساس على إبقاء الدول العربية المحيطة بها، ضعيفة عسكريا، ومحاربتها سياسيا، وذلك عن طريق تفوقا عسكريا تستطيع من خلاله توجيه ضربات عسكرية لهذه الدول متى تشاء. فكل الحروب التي خاضتها إسرائيل تصب في هذه الخانة. ومع ذلك، فقد كانت دائما تنسق حروبها، وحتى عملياتها العسكرية، مع القوى الكبرى في مقدمتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإلى حد كبير فرنسا. ولم يكن هذا التنسيق عسكريا فحسب، بل سياسيا وإستراتيجيا ايضا، بحيث تحصل على أحدث أنواع الأسلحة، وغطاء سياسيا في المحافل الدولية يدعم تصرفاتها مهما كانت هوجاء. وكانت إستراتجيتها دائما هي: أن تكون ساحة القتال على الجانب الآخر، أي أراضي الدول التي تهاجمها، ومنع وصول القتال إلى أراضيها أو مدنها. وقد نجحت بذلك إلى حد كبير إلى أن وقعت حرب لبنان الثانية عام 2006، فتغير هذا الواقع. ولكن قادة إسرائيل اليوم يواجهون مشكلة في تنسيق موقفهم مع الولاياتالمتحدة بالنسبة لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، ولم يجدوا حماسا لأفكارهم لدى معظم الدول الأوروبية، حيث أن للكثيرمنها مصالح إقتصادية مع طهران، إضافة إلى تخوفها من أن مثل هذا العمل من جانب إسرائيل قد يؤدي إلى إشعال نيران حرب في منطقة من أهم المناطق إستراتيجية في العالم. كما أن هؤلاء القادة قد بدأوا يواجهون مشاكل على الصعيد المحلي. حيث حملت الصحف العبرية مقالات لمحلليها الإستراتيجيين والسياسيين يهاجمون فيها موقف هؤلاء القادة لدرجة أن أحد الكتاب وصفهم ب "دعاة الحرب". كما جرت مظاهرات تندد بالحرب وتطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تتراجع عن أفكارها بهذا الشأن. فقد نشر أحد المحللين السياسيين المخضرمين في إسرائيل، جدعون ليفي، مقالا إتهم فيه إسرائيل بأنها هي التي بدأت في سباق التسلح النووي في المنطقة، ولهذا فإن مواقف دعاة الحرب الإسرائليين القائلة بأن إيران ستؤدي إلى مثل هذا التسابق هو كلام للإستهلاك المحلي والعالمي على حد سواء. (هآرتس 21/8/2012). وفي دراسة إسرائيلية حول الوضع الإقتصادي في حالة نشوب حرب مع إيران جاء أن: "سعر الدولار مقابل الشيقل الإسرائيلي سيواصل الإرتفاع وقد يصل إلى خمسة شواقل للدولار. فيما تهتز بورصة تل أبيب بحساسية مفرطة تجاه أجواء الحرب التي تسود البلاد". (عن وكالة أنباء معا 13/8/2012) ويستمر التقرير الإقتصادي: "وفي حالة إندلاع الحرب فإنها ستستمر لمدة أسابيع وأن خسائر إسرائيل يوميا ستصل إلى 2 مليار شيقل وستتضرر السياحة لمدة سنوات في الفنادق الإسرائيلية، بالإضافة إلى خسائر المباني والطرق والتي قد ستصل إلى عشرات المليارات من الشواقل، وذلك كون أن التقديرات العسكرية تقول أن 50 الف صاروخ على الأقل ستسقط على إسرائيل". ولكن دعاة الحرب يرفضون مضمون التقرير ويقومون في محاولات مكثفة لإقناع الشارع اليهودي في إسرائيل، وكذلك الجاليات اليهودية في العالم بوجهة نظرهم، على أمل أن يحصلوا على دعم منها تؤثر على مواقف الدول التي يعيشون فيها. وفي نفس الوقت فتح هؤلاء القادة نافذة الكونغرس الأمريكي، حسب ما تقول صحيفة "معاريف" (13/8/2012) في مقال مطول لها، أن قادة من الونغرس الأمريكي قد: "حملوا سفير إسرائيل لدى واشنطن، مايكل أورن، رسالة إلى نتنياهو فحواها أنهم مقتنعون بأن الرئيس أوباما سيضطر في حالة نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، أن يتدخل عسكريا إلى جانب إسرائيل". المؤيدون لهذه الفكرة من الحزب الديمقراطي، حسب ما تقول الصحيفة، يعتقدون أن مثل هذا التدخل سيساعد على إعادة إنتخاب الرئيس أوباما. ولكن بلا شك أن الجمهوريين يفكرون عكس ذلك، فالتدخل عسكريا يساعدعلى فشل أوباما في الإنتخابات، وهذا هدف الحزب الجمهوري. فالإقتصاد الأمريكي حاليا لا يستطيع تحمل مصاريف حرب جديدة، إضافة إلى أن الرأي العام الأمريكي يرفض الدخول في حرب جديدة بعد درس حرب العراق، والحرب المستمرة في أفغانستان. وقد شجع هذا الموقف كل من نتنياهو وأيهود براك، وزير حربه، فطلبا من الرئيس أوباما أن يعلن في خطابه المرتقب، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية العادية في شهر أيلول/ سبتمبر القادم، أن الولاياتالمتحدة ستتدخل عسكريا في حالة نشوب حرب بين إسرائيل وإيران (معاريف 13/ 8 /2012 ). وبسرعة جاء رد الإدارة الأمريكية على هذا الموقف، حيث عقد وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي مؤتمرا صحفيا في وزارة الدفاع الأمريكية (14 /8 /2012)، حيث أكد بنيتا فيه أن الولاياتالمتحدة ستستمر في المسار الدبلوماسي لكبح البرنامج النووي الإيراني. أما الجنرال ديمبسي فقال في المؤتمر الصحفي إن أقصى ما يمكن أن يؤدي اليه هجوم إسرائيل منفرد على المنشآت الإيرانية هو إرجاء إنتاج أول قنبلة نووية إيرانية عدة أعوام. وأكد الجنرال الأمريكي أن إسرائيل لا تملك قدرة كافية على تدمير البرنامج النووي الإيراني. وقد أثار هذا الموقف رد فعل غاضبة لدى الحكومة الإسرائيلية . إن إسرائيل هي التي تعمل جاهدة من أجل تحريك هذه الحرب ضاربة عرض الحائط بمواقف الرأي العام العالمي الداعي إلى التوصل لحل دبلوماسي لهذه المشكلة. ودعاة الحرب الإسرائيليين، يعتقدون أن في مقدورهم إثبات مقدرتهم على تنفيذ العملية ليبرهنوا على مقدرتهم الإستراتجية وعلى صواب افكارهم ليظهروا بأنهم هم الذين أنقذوا البشرية من هذا الخطر المحدق.