هذه خطوة اخرى تأخذه الى منحنيات ذلك الزقاق الضيق المتعرج من باب "الحمام" في "ذروان" وذلك الرجل العجوز يجلس في بهوه وأمامه أكوام من قطع الصابون، وتلك المناشف.. ناصعة البياض، وصوت خرير مياه خافت ينبعث من "نافورة" صغيرة تتوسط ذلك البهو.. وبعض من زبائن "الحمام" يجلسون على تلك المقاعد الخشبية.. بعد أن انتهوا من "حمام دافئ" تأخذه قدماه من ذلك الزقاق "ذروان" الى باب مكتبة "عارف حكمت" أمام المسجد النبوي الطاهر تلك "المكتبة" الفريدة في محتوياتها من المخطوطات النادرة ومصادر المعلومات الغزيرة فيها. كان "ذلك الرجل طويل القامة" يجلس في مواجهة تلك المكتبة التي تشكو قلة روادها.. يجلس بثوبه "المهلهل" وفي يده عصا طويلة يلهب بها ظهر من لا يروق له من المارين.. وبالذات ذوي السحنة السمراء. ويردف ما يفعل بضحكة عالية يتردد صداها داخل ذلك "الرباط" المظلم كان واحداً من مجموعة تناثروا في طرقات المدينة ولكل واحد منهم سلوكه، فهذا لا يطيق البشرة السمراء فتراه يلحق صاحبها ضرباً بعصاه.. وذلك يلف على رأسه "عمامة" كأنها "عصابة" تمسك جبينه لكي لا يسقط.. وآخر ما أن تقول له كلمة حتى يخلع ملابسه في عفوية عجيبة.. كاشفاً عن المستور من عورته ورابع يأخذك في الأحضان رغم كل ما هو عليه من سوء مظهر ورثاثة في الملبس وتتقبله بسعادة غامرة.مظاهر عديدة وعجيبة كانت عامرة بها شوارع وأزقة المدينةالمنورة وكان أصحابها يشكلون واقعاً يعطيه الكثيرون سمة الدروشة.. والبركة، ولكن كل ذلك ذهب مع اختفاء ملامح ومعالم المدينة القديمة، كأن تلك النماذج مرتبطة بتلك المواقع البريئة. مقهى الطيرة كان ذلك الشاب الممتلئ حيوية ونشاطاً وهو يتحرك بين "مراكيز" المقهى بجانب "البقيع" الذي كان بعيداً جداً عن وسط المدينة يعطيك احساساً قوياً بمدى القدرة لديه على احتواء كل طلبات زبائن "المقهى" رغم العجز في يده اليمنى، ومع هذا نراه يحمل أكثر من "براد شاي"، وأكثر من قارورة – ماء – في ذات الوقت كان "أحمد اليماني" وهذا اسمه ظاهرة عجيبة وطاقة كبيرة في مقهى "أحمد طيره" خلف البقيع. لقد كانت "مقاهي" المدينةالمنورة ذات ألوان وخصائص. فمثلاً مقهى "الحادي" عند مدخل زقاق الطيار لأصحاب مهن الفرانة والحبابة والمنجدين ومقهى "النقاوي" عند مدخل شارع العينية من الجهة الغربية للبنائين المعماريين ومقهى "الحريقة" على الجهة المقابلة لمقهى النقاوي للطباخين والقرارية، أولئك الذين يقومون بتهذيب الحجارة الدبش ومقهى – الربوي – أمام مسجد الغمامة "للأفندية" والموظفين ومقهى علي خبز في درب الجنائز كان خليطاً من كل الفئات أما المثقفون من الأدباء والشعراء كانوا يلتقون في مقهى الطوال في عروة او في آبار علي عصاري الأيام.. ومن الملاحظ كان الشباب الذين لم يتخطوا العشرين من عمرهم لا يمكن جلوسهم في مقاهي داخل البلدة ويسمح لهم بالجلوس في المقاهي خارج البلدة كعروة وقباء وآبار علي وتلك أيام ذهبت بحلوها ومرها.وتغيرت تلك المقاهي وتغير روادها ولعل من ابرز روادها هن النساء هذه الايام. يا ه.. المرأة التي كانت لا تتأخر عن بيتها مع غروب الشمس اصبحت الآن حتى تباشير الفجر في المقاهي انه زمن! تصاب بالحزن وانت تشاهد اولئك الشابات في مقتبل العمر وهن يمارسن التدخين في تلك المقاهي امام اولياء أمورهن.. تذكر ما كانت عليه المرأة في ذلك الزمان اذ من النادر ان تجد امرأة في مقتبل العمر تدخن الا اذا ما تخطت الخمسين من العمر وفي أضيق الحدود انه زمن!. آخر الكلام ياليل الصب متى غده اقيام الساعة موعده رقد السمار فارقه اسف للبين يردده فبكاه النجم ورق له مما يرعاه ويرصده كلف بغزال ذي هيف خوف الواشين يشرده نصبت عيناي له شركا في النوم فعز تصيده وكفى عجبا اني قنص للسرب سباني اغيده ينضو من مقلته سيفا وكان نعاسا يغمده فيريق دم العشاق به والويل لمن يتقلده كلا لا ذنب لمن قتلت عيناه ولم تقتل يده يا من جحدت عيناه دمى وعلى خديه تورده علي الفهري آخر .. آخر الكلام لا في عيد ولا في ناس لا ضحك .. ولا حكي