معروف أن الاستيطان مخالف للقانون الدولي والشرعية الدولية، والأممالمتحدة تعتبره غير شرعي، حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية، تعترف بأنه غير قانوني وإن كانت ممارساتها على صعيد الواقع مناقضة تماماً لهذا الاعتراف، إذ تقف بالمرصاد، لأي مشروع قرار يدين الاستيطان. وإذا كان أوباما قد بدأ عهده بالتأكيد على ضرورة وقف الاستيطان، سعياً إلى حل الدولتين، فإنه نكث ذلك وبدا متماهياً مع السياسة الصهيونية التي تعتبر الاستيطان مرتكزاً محورياً في مشروعها الاستعماري العنصري للاستيلاء على الأرض الفلسطينية، ولم تستخدم الإدارة الأمريكية أي ورقة من أوراق الضغط التي تملكها لإلزام الكيان الصهيوني بوقف الاستيطان، ولو مؤقتاً، لتعود هذه الإدارة متماهية مع سياسة الاستيطان الصهيونية ورافضة لأي تنديد بهذه السياسة، ومجهضة لأي مشروع قرار يدين الاستيطان، والأممالمتحدة التي تعتبر الاستيطان غير شرعي، لا تملك الآلية الفعالة، لتطبيق ذلك على أرض الواقع. وهكذا يبدو الكيان الصهيوني قادراً على مواصلة بناء المستعمرات الصهيونية، ضارباً عرض الحائط بالقانون الدولي والشرعية الدولية، ولا يعير اهتماماً لأي ردة فعل عربية وغير عربية، شاجبة أو منددة أو مستنكرة للاستيطان. والسلطة الفلسطينية التي تعتبر المفاضات خيارها الأول شريطة وقف الاستيطان، يقابلها الكيان الصهيوني بإصرار على مواصلة بناء المستعمرات الصهيونية، وفي ذات الوقت، السعي إلى أي شكل من أشكال المفاوضات. وجاء قرار مجلس حقوق الإنسان في مارس/آذار الماضي الذي تبنى تشكيل بعثة تحقيق في الاستيطان وتداعياته ليمثل كسباً للطرف الفلسطيني، ولكنه لا يتجاوز كونه كسباً معنوياً، ولا يضيف كثيراً إلى موقف الأممالمتحدة أصلاً الذي يعتبر الاستيطان غير شرعي، كما يعتبره القانون الدولي غير قانوني. ربما يكون بإمكان البعثة أن تسلط الضوء بمنظور أممي على هذا الانتهاك الصارخ للأرض الفلسطينية وللحق الفلسطيني، ولكن توصيات البعثة لن تكون نافذة إلا بقرار من مجلس الأمن، وهو موقع تقف فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمرصاد لأي مشروع قرار يدين الاستيطان، فيما الذهاب بأي توصيات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يكسبها صفة الإلزام. وهكذا تبقى هذه التوصيات مجرد حبر على ورق، هذا إن كان بإمكان البعثة أن تقوم بمهمتها في ضوء الرفض الصهيوني لأي تعاون معها للوقوف على حقيقة هذه المستوطنات وامتداداتها على الأرض الفلسطينية على الطبيعة، إضافة إلى ما قد تتعرض له البعثة من ضغوط قوية، قد تؤثر على توصياتها، كما حدث مع بعثات سابقة. وتظل القضية الأساسية، هي مدى إمكانية إلزام الكيان الصهيوني بوقف الاستيطان، إذ يبقى الحراك الفلسطيني والعربي غير قادر، على أداء دور فاعل وملزم من خلال الأممالمتحدة طالما ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية العائق الرئيس أمام أي حراك فلسطيني وعربي، وهي الحاضنة الرئيسة للكيان الصهيوني الذي يمارس سياسة الاستيطان رغم اعترافها الشكلي بعدم قانونية هذا الاستيطان إذ يبقى هذا الاعتراف بعدم قانونية الاستيطان، مظهراً خالياً من أي مضمون، بل هو ساقط أصلاً على صعيد الممارسة الأمريكية. والولاياتالمتحدةالأمريكية هي الأقدر على إلزام الكيان الصهيوني، بوقف الاستيطان لو كانت جادة فعلاً، ولو كان اعترافها بعدم قانونية الاستيطان حقيقياً، إذا لديها الكثير من أوراق القوة التي يمكن أن تستخدمها لإلزامه بذلك ولتحقيق رؤيتها لحل الدولتين لو كانت جادة فعلاً، ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية أصبحت رهينة السياسة الصهيونية وخاضعة لإرادتها وابتزازها ربما من خلال قوى الضغط الصهيوني التي تتمتع بنفوذ واسع في الإدارة الأمريكية، وإن كان هذا ليس مبرراً كافياً في نظر البعض. إن الاستيطان واحد من بين مسائل عديدة في إطار القضية الفلسطينية، وإذا كان الاستعصاء إلى هذا الحد في ما يتعلق بالاستيطان، فكيف يكون الأمر بالنسبة للقدس أو حق العودة؟ إن هذا يطرح تساؤلاً رئيساً يتعلق بالقضية الفلسطينية برمتها ومدى إمكانية الوصول إلى حل عادل لها يحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وهذا التساؤل تظل الإجابة عنه منفية في ظل إصرار الكيان الصهيوني على الاستمرار في بناء المستعمرات الصهيونية وتهويد القدس، وممارسة الإقصاء والتهجير حتى يستكمل مشروعه الاستعماري العنصري. ولذا فإن قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل بعثة للتحقيق في الاستيطان وتداعياته على الأرض الفلسطينية، لا يوقف الاستيطان ويظل وقعه معنوياً. ولكن القضية الفلسطينية التي يعترف القانون الدولي والشرعية الدولية بعدالتها ليست في حاجة إلى وقفة معنوية ولكنها في حاجة إلى وقفة ملزمة تتجسد في واقع ملموس.