آخر تقليعات التجسس تجنيد الأجهزة "الإسرائيلية" للطيور في عمليات التجسس وجمع المعلومات، والصور من دول عربية وعالمية. ما نشر قبل يومين من تقارير يؤشر إلى تكثيف "إسرائيل" عملياتها التجسسية في ضوء الأحداث الساخنة في المنطقة. هذا ما تؤكده وقائع تحدّثت عنها وسائل إعلام تركية حيث تم العثور على طير "شرقرق" ميتاً في حقل تركي قريب من الحدود السورية، ووجد على قدم الطائر سوار صغير للتوجيه والتعقّب، كُتِبتْ عليه كلمة "إسرائيل"، ووجدت داخل منقاره أجهزة تجسس. كان يمكن أن نصدّق التبرير "الإسرائيلي" القائل إن العملية لا تعدو كونها "ذات طابع بيئي" وإن الطيور ضلت طريقها وتجاوزت المدى المقرر لطيرانها وذهبت بالصدفة إلى المناطق التركية المحاذية للحدود السورية، كان يمكن أخذ هذه التفسيرات على محمل الجد، لولا تزامن الحدث مع شبيه له تماماً في السودان حيث اصطاد عامل في مزرعة لتربية الأسماك في منطقة "جبل أولياء" طائر بجع ساقه محاطة أيضاً بسوار نحاسي كُتِبتْ عليه كلمة "إسرائيل"، ويحمل أحد جناحيه "ستيكر" طُبعِتْ عليه رموز "إسرائيلية". وقد استثارت هذه الواقعة سودانيين كشفوا عن واقعة مشابهة تتعلق بطائر من النوع نفسه مزوّد بالمعدات ذاتها من ستيكرات وأساور تم اكتشافه في قرية "الضحايا" الأثرية بمنطقة سودانية. من المؤكد أن دولاً عربية وإسلامية وأجنبية أخرى تعرّضت للتجسس بهذه الطريقة وسواها، ومن ضمنها استخدام النسور. فلم تدع أجهزة المخابرات الصهيونية أسلوباً إلا واتبعته في تنفيذ جرائمها وتجسسها على الفلسطينيين والدول العربية ودول العالم. فلقد استخدمت الهواتف المحمولة في تعقّب المناضلين، وأحياناً فخّختها واصطادت بها مقاومين مثلما فعلت مع الشهيد يحيى عياش، واستخدمت مقصورات هواتف الشوارع في تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال، لا سيما في بدايات انتفاضة الأقصى. ربما يورد البعض هذه الوقائع في إطار التسليم الخاطئ بالقدرات الخارقة للكيان، لذلك يجدر التذكير بأن هذه الوسائل البدائية قليلة الكلفة، ليست صعبة الاستخدام ولا تنطوي على عبقرية، فالاتحاد السوفييتي استخدم الطيور قبل عشرين عاماً في أبحاث علمية مثل التنقيب عن المعادن في باطن الأرض. لكن الوقائع المكتشفة وتلك التي قد تُكتشف، وتلك التي تجري ولم تكتشف بعد، تذكّرنا بأن "إسرائيل" لا تفكّر ولا تعيش إلا في إطار عدوانيتها وهواجسها المعادية وأيديولوجيتها الاستراتيجية الصهيونية القائمة على التوسّع والتفوّق. ومع كل ذلك، يبقى العنصر البشري هو الأساسي والحاسم في في الفكر التجسسي لأجهزة مخابرات الكيان داخلياً "ضد الفلسطينيين" وخارجياً "ضد الدول العربية والإسلامية ودول العالم". عمليات الاغتيال عبر تفخيخ الهواتف المحمولة والشارعية، فإنها لم تكن لتنجح لولا العنصر البشري، لولا وجود حثالة من العملاء الذين يفخّخون أدوات قتل أبناء جلدتهم لقاء حفنة قذرة من النقود. لم يكن للعدو أن يعرف أن مقاوماً ما يستقل سيارة ويغادر من مكان إلى آخر، من دون أن يساعده أحد على نقل المعلومة، وأحياناً عبر وضع طلاء لا يظهر على السيارات المستهدفة، يعطي إشارة يتبعها صاروخ القتل وتوقع بالضحية. وللتدليل أكثر تنبغي ملاحظة كم عدد العملاء الذين يجري كشفهم في لبنان رغم كل ما قيل عن اكتشاف أدوات تجسس غير بشرية. لذلك من الصعب رصد وملاحقة كل الطيور التي تجوب الفضاء العربي، ومن الحمق لومها على أدائها مهمة لا تفهمها، لكن من الأسهل والأهم التيقّظ للخفافيش البشرية المأجورة التي تعرف ما تفعل وتصرُّ على بيع نفسها للعدو، وفي هذه الحال لا يصح القول "إن الطيور على أشكالها تقع".