ربما كان العقد الماضي هو عقد الأحلام الكبيرة بالنسبة للمواطن السعودي,الأحلام التي أعاد الناس معرفتها والإيمان بها,وباستثناء قلة من المتشائمين الدائمين كان الجميع يشعر أنّ هناك في الغد مايستحق الانتظار ويبعث الأمل,فقد كانت أخبار المشاريع المليارية حدثاً يومياً يدفع الناس للثقة بغدهم وبوطنهم وكانت المدن الاقتصادية تتكاثر بشكلٍ سريعٍ ومذهل حتى أصبح في كل طرفٍ من أطراف الوطن مدينةٌ تتخلق وتتكون, وأصبحت أزمة المقعد الجامعي أمراً من الماضي الذي لن يعرفه الجيل القادم بل ربما لن يصدق أخباره,وتم انطلاق برنامج الملك عبدالله للابتعاث والذي يعتبر البرنامج الأكبر في التاريخ,وتم جلب كثيرٍ من الاستثمارات الصناعية العالمية التي رأى كثيرٌ من الخبراء أنّها ستكون بداية الطريق الفعلي نحو توطنين التقنية واحتواء الشباب الباحث عن الفرص المستقبلية الواعدة,كما أنّها ستشكل رافداً اقتصادياً مهماً للوطن,وتم رصد عشرات المليارات لتطوير التعليم والقضاء وعشرات المليارات لدعم صندوق التنمية العقارية وصندوق تنمية الموارد البشرية وغيرها من الصناديق التمويلية التي تتجه للفئة الأقل حظاً من أبناء الوطن,وبالتزامن مع هذا المشروع النهضوي الجبار كان هناك تحسنٌ كبير لا تخطئه العين المنصفة فيما يتعلق بالحريات العامة والحريات الخاصة وحرية الإعلام وتم حل كثيرٍ من المسائل العالقة على المستوى الفكري والاجتماعي وتم تجاوز كثيرٍ من مظاهر الاحتقان والتربص بين تيارات المجتمع وفئاته المختلفة, وشعر غالبية المواطنين أنّ الوطن أصبح على الطريق الصحيح وأنّ مشروع الإصلاح العميق والمتأني ومشروع التطوير والانفتاح على العالم هما الطريقان المستقبليان لهذا الوطن,وآمن الجميع أنّه لا يمكن الوقوف في مكاننا وانتظار المستقبل بل يجب الذهاب إليه وتحقيق الأحلام من خلاله.كان ذلك هو عقد الأحلام المفصلي في حياة هذا الجيل فماذا حدث بعد ذلك؟؟ كانت الأحلام العظيمة والصادقة التي أنتجها العقد الماضي في قلوب الناس وعقولهم قد رفعت سقف التوقعات عالياً, وجعلت النجاحات العادية أقرب إلى الفشل منها للنجاح, وجعلت الخطأ مهما كان صغيراً يتخذ طبيعةً كارثيةً لا يمكن قبولها أو تجاوزها,كما أنّ تلك الأحلام الكبيرة والمشروعة جعلت الاستعجال وعدم الصبر صفةً لازمة لكثيرٍ من الناس,مما جعلهم يعتبرون كل تأخيرٍ مهما كانت أسبابه ودوافعه فشلاً ذريعاً وخيبةً كبرى,وأصبح الكثير يبدي تبرمه وضجره من ضعف النتائج بغض النظر عن مصداقية حكمه وصواب تقييمه للأمر,كل هذه الإشارات التي قد تبدو مقلقلةً للوهلة الأولى هي في حقيقة الأمر ليست سوى نتائج طبيعية نظراً لضخامة الأحلام وعلو سقف التوقعات ولذلك يجب التعامل مع هذه النتائج بشكلٍ منطقي ومتسامح,فلا يمكن أن نلوم الناس على تصديقهم لما تم وعدهم به كما لا يمكن لومهم على ثقتهم بغدهم وبوطنهم!! وليست الأحلام الكبيرة هي السبب الوحيد لما نشاهده حولنا سواءً في وسائل الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت مما يمكن تسميته بالإجحاف في معاملة منجزاتنا الوطنية عن طريق تصيّد الأخطاء وتضخيمها ونسج الكثير من السيناريوهات الغريبة حولها,ومن المفيد هنا أن نعترف بوجود ظاهرة الإجحاف هذه في حق الكثير من منجزاتنا الوطنية,كما يجب أن نعترف أنّ هذه الظاهرة جاءت نتيجةً لسقف التوقعات العالي ولبعض المبالغات غير المنطقية التي تم تقديمها بين يدي تلك الأحلام والوعود,بالإضافة إلى سببٍ آخر وهو علو الأصوات النقدية في كل مايحيط بنا بعد حدوث الربيع العربي,حيث أصبح صوت النقد والحديث عن الأخطاء وحبك القصص حولها هو أكثر الأصوات شعبويةً في هذه الفترة,وأصبح كل من يطالب بالإنصاف محل نظرات التوجس والريبة وهذا أمرٌ دائم الحدوث بعد موجات التغيير الكبرى, ولذلك علينا أن نتعامل معه بالتسامح الواثق والنظرة الحكيمة والعميقة,كما يجب علينا أن لا نشكك في من ينتقد وجود الأخطاء فمشروعنا الوطني ملكٌ للجميع ومن حق الجميع أن يخاف عليه من الأخطاء والعثرات,ولكن هناك أمراً يجب التأكيد عليه دوماً وهو وجوب الإنصاف والعدل , فقول كلمة الثناء الصادقة والإشادة المنصفة لا يقل شجاعةً ولا خلقاً عن قول كلمة الإنتقاد الصادقة في حال حدوث الخطأ,والشرط في الحالتين هو الاتزان والإنصاف والعدالة,فلا تكون كلمة الثناء والإشادة تلميعاً وتطبيلاً ولا تكون كلمة النقد شتيمةً وتحريضاً,فالواجب أن تصبح كلمة الثناء الصادقة من باب التشجيع والشكر وكلمة النقد الصادقة من باب التصويب والحرص,هكذا سنتعامل مع مشروعنا الوطني ومع أحلامنا الكبرى بالحب وبالصدق وبالحرص وعدم المزايدة أو الضيق بمن نختلف معهم,فالحقيقة التي كانت قبل كل شيء وستظل بعد كل شيء هي أنّ هذا وطننا العظيم ونحن أهله وسنكون له دوماً.ويجب أن نتذكر دوماً مقولة سيدني هووك الشهيرة: إسكات النقد هو إسكات الحرية. Twitter: @knfalamri facebook.com/knfalamr