موسمنا الرياضي أنتهى وأصبح جزء من الماضي كسب فيه من كسب وخسر من خسر أستفادت فرق من أخطاء التحكيم وتضررت أخرى، غضبت بعض الجماهير وتشنجت وفرحت أخرى وسعدت، المهم الذي بقي وسيتكرر كل عام هو أخطاء الحكام وتكرار ذلك النقد اللاذع وعدم الرضا عنهم. من وجهة نظر كاتب هذه السطور أن التحكيم لا يختلف في حكمه الشرعي ونتائجه عمّا يجري في قاعات المحاكم والجهات القضائية الأخرى، ولهذا فيجب توفير الحماية للحكام من ذلك النقد اللاذع الذي يثار حولهم فقد يصل إلى اتهامهم بالطعن في ذممهم، وبالمقابل فلا بد من العمل الجاد لتلافي تلك الأخطاء التحكمية الفادحة، وبتدقيق النظر في هذا الأمر يمكن إعادة ذلك لأسباب أهمها: أولاً: عدم مصداقية النقد فكل يغني على ليلاه، ويدعي أنه مظلوم حتى لو كان نتيجة فوز فريقه جاءت بنسبة مائة في المائة بصافرة حكم فيها إجحاف وظلم للفريق الآخر. ولكنه يحجب هذه الحقيقة بإدعائه أن فريقه مظلوم، ويريد أن ينفي استفادته من الأخطاء التحكيمية. ونجد كاتب آخر يشيد بالحكم وأنه يتصف بالشجاعة في قراراته ومتابع دقيق، وكل يكتب وكأنه يحلل مباراة غير التي شاهدها الناس، وهؤلاء لا يفرقون بين حالة ضرب الطبل في المدرج وحمل القلم. ثانياً: أن بقاء النتيجة على النحو الذي تنتهي إليه المباراة برغم ما قد يصاحبها من أخطاء فادحة فإن ذلك يفرز كثير من الضغائن لدى الجمهور على الحكام، ويحفز على إثارة الاتهامات حولهم، لأنهم السبب فيما حدث وأن هذا الوضع سيستمر دون تغيير. ثالثاً: أن العقوبات التي تصدر ضد الحكام لا تقارن بما يقع من أضرار على الفريق الذي وقعت الأخطاء ضده، وبخاصة أنها لا تعيد الحق لصاحبه وقد يكون الحكم أجنبياً يمرق منها كالسهم من الرمية. رابعاَ: ضعف بعض الحكام في القدرة على مواجهة الواقع وبخاصة للفرق ذات التأثير الإعلامي الكبير. ومن هنا نجد أن تطوير التحكيم يحتاج إلى وقفة صادقة وكلمة أمينة، وقرارات حاسمة ومن ذلك: 1- عند حدوث أخطاء واضحة من الحكم استفاد منه فريق معين فإن المصلحة العامة والأمانة والأخلاق تستوجب أن يوضح ذلك إعلامياً، من جميع الأطراف وأولهم الحكم، وذلك بمجرد أنتهاء المباراة مباشرة، فالفريق الذي أستفاد من خطأ الحكم لا يعيبه ذلك، بل العيب أن يتلقى الحكم الضعيف الإشادة من حملة الأقلام من مشجعي الفريق المستفيد. 2- أن تستحدث قوائم لمكافآت الحكام تكون مجزية ومماثلة لما يعطي للحكم الأجنبي على أن تكون نسبة المكافأة وفقاً لمستوى الحكم فكلما كانت الأخطاء قليلة وغير مؤثرة كانت المكافأة عالية ومجزية والعكس كذلك. وليس من الإنصاف أن يتقاضى حكم أجنبي عشرات الآلاف من الدولارات بينما الحكم السعودي لا يتقاضى إلا نسبة ضئيلة لا تذكر. 3- يجب أن يتخذ اتحاد كرة القدم ما يعيد للفريق الخاسر حقوقه فمستوى بعض الحكام في بعض المباريات يدعو للتساؤل، ذلك أنه إذا كانت كل أخطاء الحكم المؤثرة تصب لمصلحة فريق ضد آخر فإن ذلك مما يثير غبار الشك حول الحكم، وأنه قد أخل بمقتضى واجب الأمانة التحكيمي، وعلى لجنة الحكام أن تعالج الأمر بما يحفظ حقوق الفريق المتضرر، وليس مجرد محاسبة الحكم في إيقافه شهر أو شهرين أو حتى شطبه. لأن بعض الأخطاء تذهب بجهود عام كامل، يتكلف فيه الفريق عشرات الملايين من الريالات وجهود كبيرة ثم في غمضة عين يذهب كل ذلك هباء. 4- من وجهة نظري أن من أهم ما يرتقي بالتحكيم هو أن يستحدث نص على إعادة المباراة أو إعادة الحق إلى صاحبه، وفقاً لبحث دقيق ومراجعة شاملة وتقييم للأخطاء التي وقع فيها الحكم، ففي المحاكم والهيئات القضائية يتم نقض حكم القاضي من قبل هيئات التدقيق العليا متى كان في الحكم خلل وشابه قصور، فالشريعة الإسلامية ومبادئ القضاء وأصوله بل وحتى القوانين الوضعية لا تقر الأحكام الخاطئة، بل تنقضها وتعيد الحق لصاحبه، فهل نجد مثل هذا الأمر في ملاعبنا الرياضية وبغض النظر عن كون هذه الأخطاء تكون ملح كرة القدم كما يشاع، أو أن ذلك قانون معروف في (الفيفا) ذلك إن إقرار الظلم يكون بحد ذاته أخطر من مجرد وقوع الظلم، وليس في الشريعة الإسلامية ما يقر مثل ذلك. وحتى لو كان نصوص الفيفا تجيز مثل هذا الظلم، ففي بلد الحرمين لا يعقل أن يقر مثل هذا المبدأ بعد أن يشهد الجميع وعلى رأسهم المسؤول عن التحكيم بوقوع الظلم على ذلك الفريق ثم يبقى الظلم كما هو دون أن يرد الحق لصاحبه. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه. وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا أجتنابه.