كلمة المستشار لغة تعني من تطلب مشورته في أي شأن من شؤون الحياة عامة أو خاصة، والناس لايستشيرون إلا ممن يثقون بعلمه وخبرته وخلقه، وقد اشتهر مصطلح «المستشار» عند القانونيين، وهي وظيفة عليا يتخصص فيها القانوني في فرع من فروع القانون، كالقانون التجاري، أو المالي، أو الجنائي، وهناك من تزدحم لديه الخبرات فيكون مستشاراً في القانون العام، ولكن في بلادنا العربية لا يعرف الناس التخصص، فنجد من خريجي كليات الحقوق من لم يمارس محاماة قط ولا قضاء، ويلقب نفسه مستشاراً قانونياً، ومن لا يعرف من الإعلام إلا قشوراً، أو عمل في إحدى مؤسسات الإعلام في أدنى وظائفها فترة قصيرة، وقد تطول الفترة ولكنه يفشل في الممارسة فيستغنى عنه، فيعلن نفسه مستشاراً إعلامياً، ومن لم يعمل في الصحافة أصلاً، وليست إحدى هواياته، ولم يمارس حتى الكتابة فيها إلا نادراً، وفجأة يعين رئيساً لتحرير صحيفة تتهاوى، لمجرد أنه مدرس في الجامعة، وتخصصه بعيد كل البعد عن الصحافة والإعلام، ثم يفشل وتزداد الصحيفة تدهوراً فيستغنى عنه، فتبادر إحدى الصحف العريقة إلى تعيينه مستشاراً صحفياً لها، وستجد على هذا المنوال الكثير في وطننا، الذي أصبح يزدحم بالمستشارين ممن لا علم لهم ولا خبرة، فهذا الذي تخرج في كلية الشريعة يشتغل محامياً، بل ولعله يدعي أنه المستشار في شؤون المحاماة، وهذا الذي تخرج في أحد أقسام علم النفس وفي خلال عام بعد تخرجه يصبح مستشاراً نفسياً، بل إن بعض من لم يدرس علم النفس أصلاً أصبح مستشاراً لجمعية نفسية، والغريب أن بعض هؤلاء يعاني من مشكلات نفسية خطيرة، وأما دكاكين الاستشارة فلا حصر لها، وكثير من أدعيائها يدعي أنه استراتيجي يضع الخطط لكل الناس، ويفشل في وضع خطة لحياته تجعله ينجح فيها، وكما كثر لدينا أدعياء العلم، وأدعياء حملة الشهادات العليا، كثر عندنا المستشارون حتى كدنا ألا نحصيهم عداً، ولم نستطع أن نفرق بين ذي العلم والخيرة منهم والدعي، والمهم ألا أحد يمنع أحداً من الضحك على الناس بإدعاء ما لا يحسنه، بل ويعلن عن نفسه في الصحف جهاراً، ويؤسس لذلك مكتباً، حتى أصبح لدينا مستشارون في الرقية، وآخرون في كشف السحر وتحرير المسحور، وإخراج الجن الذي يتخذون من أجساد البشر منازل وماذا نقول سوى يا الله يا أمان الخائفين. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043 [email protected]