تكريم جميل لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب قام به موقع "جوجل" الأسبوع الماضي، وذلك بوضع صورة نظارة وعود الموسيقار على محرك الموقع احتفالاً بذكرى ميلاده الذي يوافق الثالث عشر من مارس من عام 1902م. ورغم حياته الطويلة (توفي عام 1991م) المليئة بالنجاحات والأحداث والمواقف إلا أنَ السبع سنوات التي قضاها الموسيقار عبد الوهاب مع أمير الشعراء أحمد شوقي تعتبر من أهم مراحل حياته، وكان شوقي في تلك الفترة يصطحب عبدالوهاب معه في كافة الحفلات التي يحضرها والتي خلقت جسراً تعارفياً بين عبدالوهاب ورجال الصحافة والسياسة اللامعين في ذلك الوقت، وكان عبدالوهاب يعترف دائماً بفضل شوقي عليه ويعتبره مثله الأعلى والأب الروحي له الذي تعلم منه الكثير في حياته. كانت قصائد شوقي الغنائية التي تردد دائماً بألحان وصوت عبدالوهاب دعامة قوية لفن الغناء العربي وهي أيضاً كانت وسيلة ناجحة في انتشار قصائد شوقي وزيادة شهرته بين الجماهير العربية. احتضان أمير الشعراء للموسيقار الشاب آنذاك أنتج: ياجارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك وهي القصيدة التي صاغها شوقي وهو يقضي إجازته الصيفية في مدينة زحلة اللبنانية، بالإضافة إلى الكثير من الروائع الغنائية التي ارتفعت بمستوى الذوق الفني للمستمع. روعة قصائد شوقي كانت توجه قريحة عبدالوهاب الطربية وتوقظ فيه عبقرية النغم الكامنة ليستنبط المعاني الجميلة والصور المعبرة التي توحي بها نصوصه الشعرية، فكان شوقي كريماً وهو يضع أشعاره في خدمة الأغنية العربية وكان عبدالوهاب مبدعاً وهو يحول هذه الأشعار إلى بناء فني متكامل تتجلى فيه خيوط العبقرية والتوهج. فترة الثلاثينيات من القرن الماضي تمثل مرحلة اكتمال بنيان الغناء العربي على قواعده الأصولية ومن خلال ذلك اكتسب فن الغناء العربي والموسيقى احترام الإنسان العربي فلم يعتبر الغناء لهواً ومضيعةً للمال والوقت، وكان انعقاد مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932م دليلاً حياً على المنزلة الرفيعة التي وصل إليها الغناء العربي، ورغم ظهور عدد كبير من الأصوات الغنائية الجميلة في مصر والعالم العربي في الثلاثينيات إلا أن سيطرة صوت الموسيقار عبدالوهاب وصوت كوكب الشرق أم كلثوم كانت واضحة وكانت مدرسة عبدالوهاب ومدرسة أم كلثوم هما السائدتان في ذلك العقد وكل صوت جديد يظهر سرعان ماينحاز إلى إحدى هاتين المدرستين. تألق عبدالوهاب وأم كلثوم في تلك الفترة أكد على أن الغناء العربي قد اكتملت له أسباب النضج والازدهار، وغنَت أم كلثوم عشر أغنيات من ألحان عبدالوهاب خلال تسع سنوات فقط أبرزها إنت عمري، فكروني، هذه ليلتي، أغداً ألقاك. وكان أحمد شوقي يرى أن صوت عبدالوهاب هو توأم صوت أم كلثوم في الشهرة حتى أنه أشار الى هذه التوأمية في إحدى قصائده فوصفهما بالطائران المغردان وتحديداً "الهزار".. بفتح الهاء.. وهو الطائر المغرد ويقصد به عبدالوهاب، و"الورقاء" وهي الحمامة ذات الهديل ويقصد بها أم كلثوم. ويرى عددٌ ممَن عايش وتفاعل مع أغاني عبدالوهاب وأم كلثوم أن بعض أغاني عبدالوهاب فيها رقة أم كلثوم وأن بعض أغاني أم كلثوم فيها رجولة عبدالوهاب ويبدو أن سر ذلك.. كما ذكر الكاتب الشاعر كامل الشناوي في كتابه "زعماء وفنانون وأدباء".. يرجع إلى أن أم كلثوم وعبدالوهاب ظلَا فترة طويلة يتنافسان على عرش الغناء وكل منهما كان يحاول أن يجذب إليه جمهور الآخر فغنَت أم كلثوم للجنس الخشن كثيراً وغنَى عبدالوهاب للجنس الناعم مرَات عديدة. شكراً "جوجل" على اهتمامك بأحد أعلام الموسيقى العربية، فقد أخذ "لوجو آلة العود والنظارة" بنا إلى زمن الطرب الجميل بموسيقاه الرائعة وألحانه الخالدة.