في مجتمعنا نجد بعض الأفراد يتحدثون عن فشل المجتمع ويلقون باللوم على فشلهم في بعض الأمور على حظهم العاثر أو على الآخرين أو يتحجَجون بعدم امتلاكهم للواسطة التي تمكنهم من تحقيق ما يصبوا إليه غير مدركين بأنَ الفشل قد يبدأ منهم، وهم لا يعلمون نتيجة ضعف إرادتهم وقلة عزيمتهم وانعدام صبرهم. والإنسان تمر به فترات خوف وتردد تهبط من إرادته وتضعف من عزيمته نحو التقدم في عدة أمور في مجال حياته، ففي حياتنا اليوميَة نشاهد كثيراً من المواقف التي تحتاج إلى إرادة وعزيمة وقوة شخصية حتى تنجح ولكنَها للأسف سرعان ماتنتهي بالفشل، لذلك يجب على الإنسان أن لا يستسلم لمخاوفه وعليه أن يقاومها حتى لا تصبح عقبة في طريق تقدمه وتحقيق أحلامه وطموحاته. ولكي ينجح في ذلك لابد له أن يكتسب قوته من قوة عقله وذكائه وإلمامه بالمعلومات، فمتى ما بات الإنسان قادراً على الفهم والاستنتاج والتحليل المناسب وفق ما يملكه من معلومات فإن ذلك يزيد من شخصيته قوة وذكاء. استشعار المسئوليَة ووضع الأهداف والتزود بالمعارف يسهم في تقوية الإرادة التي تعتبر أحد مصادر قوة الشخصية، والشخص إذا لم يكن قوي الإرادة قد يفشل في الحياة حتى وإن كان ذكياً لأنه يعلم ويعرف ولكن لا يقدر، ولذلك قيل "أن يغلب الشخص نفسه، خير من أن يغلب مدينة"، ومن الإرادة تتولَد أهم مكونات النَجاح مثل الصبر والثبات والاستمراريَة، وعندما يملك الشخص الحكمة والشجاعة تزداد قوى شخصيته، فالحكمة تجعله صالحاً للقيادة والتوجيه وحسن التصرف والجرأة والشجاعة تجعله لا يخاف أمام القوى المضادة فيصبح قادراً على إبداء رأيه بوضوح والدفاع عن قناعاته بالحجة. والشخص النَاجح الطموح هو الذي يضع أهدافه في هذه الحياة نصب عينيه متسلحاً بصفات الإرادة والعزيمة وقوة الشخصية ويعمل بجهد دؤوب وعمل متواصل لتحقيق تلك الأهداف حتى وإن واجه رياحاً مضادَة، ولنا في رسولنا محمد صلَى الله عليه وسلَم قدوة حسنة فقد كان واضح الهدف وهو هداية الناس رغم المشاق والصعوبات التي واجهت دعوته. بالتحدي والإرادة يصنع الشخص مستقبله، هذا المفهوم يلخصه الإمام ابن القيم الجوزية في قوله رحمه الله "لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته، لأزاله". وكم من شخص انتصر على مرضه وإعاقته وآخرون بدأوا من الصفر وصنعوا المستحيل فأصبحت لهم مكانة وأهميَة كبيرة، يقول البطل العالمي للملاكمة محمد علي كلاي "كرهت كل لحظة من التدريب ولكني كنت أردد لنفسي: لا تستسلم، إتعب الآن ثم عش بطلاً بقية حياتك". الإرادة القويَة تكسب الشخص الثقة اللازمة والقوَة الكافية لتحمل الصعاب والقدرة على قهر الظروف من حوله والتكيف على العيش مع المتغيرات، مدركاً بأنَ لكل شيء ضريبة، وضريبة نجاحه في تحقيق طموحاته هي بعض الطعنات وقليل من الجروح، فالشخص الفعَال.. كما يذكر أحد الفلاسفة.. هو الذي تزيده العوائق إصراراً وعزيمة. جمالية الإرادة تكمن في أنَ من يمتلكها يعلم أنَ الظلام يعقبه النور وأنَ الفرح لابد أن يأتي بعد كل حزن وإن طال، فالإرادة هي صمَام الأمان ضد القهر والعجز وهي المحرك الطبيعي لتحركات الشخص في تحقيق أهدافه وطموحاته. ومن لا يحب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر " للشاعر أبي القاسم الشابي".