ما يسمَّى "الربيع العربي" أو "تسونامي الحرِّيَّة" الذي اجتاح معظم العواصم العربيَّة، حفز صديقي الياباني للقيام بجولة ميدانيَّة في العواصم العربيَّة التي طالها الطوفان ليقف على ما أنجزه هذا "الربيع" من إيجابيَّات وما تسبَّب فيه من سلبيَّات. فليس ما تسمعه كما تراه. من الرياض محطَّته الأخيرة قبل عودته إلى طوكيو، اتَّصل بي ليقول: الرياض "غير"، كما تقولون أنتم سكَّان المنطقة الغربيَّة "جدَّة غير"، شعارًا لعروس البحر الأحمر بقصد تنشيط السياحة الداخليَّة وجذب عشَّاق البحر وممارسي الرياضة البحريَّة للتمتُّع بما أنعم الله به على شواطيء بلدكم وجزرها من جمال أخَّاذ، وما في باطن خليجها وبحرها الأحمر من ثروات وخيرات. وقال بأنَّه يستعير وصف "غير" ليضفي على العاصمة الرياض كما شاهدها اليوم ظاهرة تفرُّدها من العواصم العربيَّة التي توقَّف فيها، لكونها تشهد هذه الأيَّام حراكًا لم يرَ مثيلاً له في العواصم الأخرى التي شهدت ميادينها وشوارعها حراكًا متمثِّلاً في مسيرات مليونيَّة عرقل حركة المرور، وعطَّل دورة الاقتصاد وأضرَّ بمصالح العباد، مطالبة بإسقاط نظام هنا، وطلب مزيد من الحرَّيَّة هناك. ففي الرياض شاهد حراكًا إيجابيَّا متمثِّلا في تحويلات مروريَّة في كلِّ شارع من شوارعها الرئيسة والفرعيَّة، حوَّلت العاصمة التي تزداد شبابًا سنة بعد سنة إلى ما يشبه مرآبًا متحرِّكًا للسيَّارات، وتزداد ازدحامًا في ساعات الذروة، ليصبح التنقُّل داخلها مأساة للسائقين ومَن معهم من الركَّاب. ومع صعوبة السير، يقابله رضا سكَّان الرياض، لكونه يتمُّ ضمن خطَّة جريئة وطموحة للمرور من أجل حركة سهلة ومرنة للمركبات، ستظهر ميزاتها وحسناتها حالما يتمُّ إنجاز المشاريع ، فأمانة العاصمة التي أرسى قواعدها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، جعلت من أولى مهامها، نموَّ العاصمة وتوسيعها وفق أحدث ما توصلَّت إليَّه هندسة المدن من تصميمات تراعي متطلَّبات العصر ورفاهيَّة المواطنين، لتغدوا واحدة من العواصم التي يقصدها السيَّاح وعشَّاق جمال التصميم متوافقًا مع البيئة. استرسل الصديق الياباني في مقدِّمته، ليعتذر عن الوصول متأخِّرًا نحو خمس وأربعين دقيقة عن موعد اللقاء الذي اتفقنا عليه لنجدِّد فيه العهد ونتبادل الحديث عن أمور بلدينا وما يجري حولنا من تغييرات وتقلُّبات أثَّرت في أحداث العالم السياسيَّة والاقتصاديَّة , وكأن ليس كافيًا ما نكابده من جرَّاء الأزمة الماليَّة العالميَّة التي بدأها الرئيس جورج بوش، لتزيد الهزَّاتُ التي تعصف بعدد من العواصم العربيَّة الوضع سوءًا! في تقدير الصديق الزائر، أنَّ ما حصل حولنا متسارعًا ومتوافقًا أكَّد أنَّ الأمَّة العربيَّة، على اختلاف شعوبها وبلدانها هي أمَّة واحدة، مع كلِّ ما فعله فيها سيِّئا الذكر، سايكس وبيكو من تقطيع أوصال وزرع حدود. وتبيِّن له جليًّا أنَّ لأنظمة التي تحفظ للمواطن كرامته وتعطيه حقوقه كما أمر بها الله هي الثابتة والمستقرِّة. وهي التي تعمل بدون كلل أو ملل من أجل غد أفضل عطاءً وأعمَّ خيرًا، فترسل شبابها لينهلوا العلم الحديث من منابعه في الخارج، وفي الجامعات المحليَّة التي تزداد عددًا مع كلِّ دورة دراسيَّة، كما هو واقع الحال في المملكة. قبل أن نبدأ الحديث عن ذكريات الماضي، قال بأن لا بدَّ له من أن يُثنى على وعي الجماهير في بلدان شمال أفريقيا، وعلى إقبالهم على انتخابات تجرى للمرَّة الأولى بشفافية ونزاهة، ورأى فيها أولى ثمرات الديمقراطيَّة، تأكيدًا على أنَّ مهد الرسل والأنبياء، لسوف يبقى وفيًّا لرسالة السماء.