تمر مدينتا سرت و"بني وليد" في ليبيا بظروف قاسية جداً، حيث تتعرضان لحصار من قبل الثوار وكذلك للارتهان لكتائب القذافي الذين يتحصنون بالمدنيين ويتخذون منهم دروعاً بشرية، وما بين الحصار والارتهان فهناك قصف قوات الناتو وانقطاع الماء والكهرباء والغذاء، وكذلك صعوبة تقديم المساعدات الطبية للجرحى، والحال كذلك فهل يمكننا تشبيه ما تمر به المدينتان بتهديدات القذافي وسيف الإسلام لمدينة بني غازي؟. بداية فإنه لا وجه للمقارنة بين ما حدث في بني غازي وما يحدث الآن في سرت وشقيقتها، فالأولى تعرضت لتهديدات بالإبادة من قبل مرتزقة لا يعرفون الرحمة ويريدون الانتقام ممن أعلنوا تحررهم من النظام الظالم، ولكن الثوار لا هدف انتقاميا لهم، ولا نية للإبادة أو القتل العشوائي، ولولا حرصهم على أرواح سكان المدينتين لتم تحريرهما في ساعات أو أيام، ولكن الثوار أعطوا الهدنة تلو الهدنة، والفرصة تلو الأخرى، وحاولوا الوصول إلى تفاهم مع شيوخ العشائر فيهما، ولكن دون جدوى، فهل يستسلم الثوار لأن بقايا فلول القذافي الجبانة تحمي نفسها بالشعب الليبي؟، وهنا لا بد من التذكير بأن كتائب القذافي لا تدافع عن القذافي ذاته لأنه انتهى ولكنها تدرك أن جرائمها ستقودها إلى المشانق وساحات الإعدام، فرجال القذافي يدافعون عن أنفسهم بطريقة خسيسة جبانة وهي الاحتماء بالمدنيين، فلا بطولات لهم ولا صمود وإنما هو الهروب من ميتة إلى أخرى لا أكثر. ليس مقبولاً من أي إنسان أن يفرض علينا تعاليم بوش وشارون، "إما معنا وإما ضدنا، إما مع محور الشر أو محور الخير"، فمن يريد تقسيم الناس إلى أنصار للناتو وأعداء له فقد أخطأ، فنحن نعلم أن تدخل الناتو لم يكن لأسباب إنسانية وذكرنا ذلك مراراً وتكراراً، وكذلك فإننا نخشى على ليبيا من مؤامرات الغرب ولكننا مع الثوار ومع أهل بني غازي الذين تهددهم القذافي بالموت والإبادة. إن اتهام الآخرين بالاصطفاف إلى جانب حلف الناتو ما هو إلا حيلة للدفاع عن أنظمة الطغاة.ومع ذلك نقول بأن تدخل حلف الناتو مشكلة ولكن ليس أكبر من ارتكاب المجازر من قبل الحاكم، والتدخل الأجنبي المحدود لحماية الأبرياء أفضل من عدمه، فإن نجحت الثورة فإن الحكام الجدد مطالبون بإنهاء كافة التدخلات الأجنبية، وعدم السماح بابتزاز الشعب أو التدخل في شؤونه الداخلية. إن ما يحدث الآن في سرت وبني وليد لأمر محزن، ويجب أن يعالج بالطرق المنطقية وليس بالانقلاب على الثوار والثورة، فالخطر الذي يتهدد السكان يأتي من داخلها وليس من خارجها، فالذين يخرجون لا يصيبهم الأذى وعلى السكان أن يتصدوا لكتائب القذافي أو يغادروا حتى يتم القضاء على الكتائب المجرمة، ونتمنى من المتباكين عدم اقتناص الثغرات للدفاع عن القذافي وباقي المجرمين الطغاة.