كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة .. عبارة قالها النفري أحد كبار الأئمة الصوفيين في بغداد قبل قرون من الزمن العربي الذي كان مزدهرا .وبمجرد استرجاعي لهذه الكلمة في ذاكرتي التي لم تشخ بعد، حضرت في ذهني وبقوة طقوس احتفالنا باليوم الوطني لوطننا السعودي، إذ كلما اتسع مفهوم الوطن ليشمل بحبه الجميع ضاقت صدور بعض مواطنينا بالطائفية والقبلية والمناطقية والفكر الواحد . فمن أشرف المبادئ التي تبنى عليها الأوطان أنها لاتكون مفصلة على مقاس شخص واحد أو فكر واحد أو منظمة واحدة أو مجموعة دون غيرها، فالوطن يكون لجميع هؤلاء بلا استثناء، وطن يتسع لكل أبنائه، بكل أطيافهم وميولهم الفكرية. ومن خلال تحقيق نظرية الوطن هذه، فإنه يحق للجميع أن يحتفلوا بانتمائهم لهذه الأرض وهذه الجغرافيا وهذا التراب، وبالتالي يحق لنا كسعوديين أن نحتفل بيوم الوطن لأن الاحتفال ليس بالوطن وحسب وإنما بأنفسنا ولأنفسنا. وعندما نحتفل بالوطن فإننا نحتفل بحقوق مواطنتنا كأبناء لهذا الوطن، وعندما نحتفل بعيد الوطن فإننا نتجاوز بذلك الحدود الضيقة للفكر الواحد، لأن من مسلمات الوطن والمواطنة أنها انتصار للتنوع في الفكر والتنوع في المنطق والتنوع في الاتجاه وصولا إلى انتصار فكر المجتمع المدني. ولا أحد ينكر علينا احتفاليتنا بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا، لأننا ببساطة شديدة لن نسمح للعودة إلى الفكر المتحجر وسنتصدى له بكل ما أوتينا من قوة، فمثلما الاحتفالية بيوم الوطن هي إلغاء لهؤلاء المتحجرين، تأتي هذه المناسبة لتؤكد ضرورة وأهمية النسيج الاجتماعي المتعدد لوطننا الذي اتسع للجميع بمن فيهم أعداء الانتماء للتراب والجغرافيا والذين يفضلون عليها الأيديولوجية المنحرفة التي أول ما تسيء لسمعة وطننا وعلى كافة المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية . إن الوطن كلمة عظيمة لا يعرف قيمتها ومعناها سوى المتجردين أمام حبهم للوطن، فهم يرون بأن الوطن مقدس قدسية مقدمة على كل شيء.ويبقى الوطن الذي يذودون عنه بالروح والمال والولد ، وكل عام وأنت بخير يا وطني وكل عام وأنتم بخير يا أبناء وطني .