تفرض استراتيجية العولمة الغربية تغليب قيم ومفاهيم ومصطلحات على أخرى. وتخفي هذه الاستراتيجية في طياتها وشعاراتها البراقة مصالح غربية لا تكتفي بما ومن على سطح كوكب الأرض وباطنه، بل تتسع طموحا وجشعا لتشمل الفضاء الكوني. ومن سوء الحظ، أو لنقل من تصاريف القدر، أن إدارة تلك المصالح الغربية واقعة في يد مجموعات تشكل ما يشبه "الشركة" المدججة بالسلاح والمجردة من الأخلاق.ولا شك أن ثقافات الأمم غير الأوروبية تعيش منذ انتهاء الحرب الباردة حالة مواجهة مع تلك الشركة ولا أقول الشعب الأميركي. أما على الصعيد العربي، فقد فقدت معظم بلادنا العربية، شأنها شأن العالم الثالث، فقدت السيطرة على التدفق الإعلامي والمعلوماتي المنهمر من خارج الحدود، ومن ثم يكاد مفهوم سيادة الدولة ينتهي أو يتلاشى لصالح اختراق مجتمعاتنا معلوماتيا وثقافيا وإعلاميا. ويساعد في هذا الأمر ظهور جماعات ضغط تدين بولائها لغير ثقافة وحضارة الأمة، وتعمل على تدمير القيم والخصوصية الحضارية التي تشكل العصب الحساس فيها، مثل قدسية أواصر الأسرة، وترابط وتواصل الأجيال وليس الصراع بينها، والتكافل والتراحم الملزم دينيا بين الأغنياء والفقراء، وغير ذلك.ولقد بلغت هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على سوق تكنولوجيا الاتصال إلى درجة السيطرة بنسبة تبلغ 90% على تلك السوق تقريبا، وتتوزع تلك النسبة بين الولاياتالمتحدة 37% والاتحاد الأوروبي بنسبة 29% واليابان بنسبة 24% إن الصهيونية السياسية التي رعتها الحضارة الغربية وأمدتها بحبل سُري لا ينقطع، تمارس فينا ذات السياسة التخريبية خدمة لذاتها ولمن رعوها وزرعوها في فلسطين، فمنذ زمن ناحوم جولدمان أي مع وضع بذور فكرة خلق الكيان الصهيوني قرر اليهود الغاصبون أن يضعوا أيديهم على أدوات صنع الوعي. وقد سيطروا على كثير من وسائل الإعلام في أميركا وأوروبا وروسيا من خلال امتلاكهم أو اختراقهم صحفا ووكالات أنباء ومحطات راديو وتليفزيون كثيرة وتجنيدهم مئات المراسلين والعاملين فيها. وقد جاء عن الاهتمام بالسيطرة على أجهزة الإعلام ضمن بروتوكولات حكماء صهيون: "إن الصحافة هي القوة العظيمة التي نستطيع بها توجيه الناس، فالصحافة تعكس المطالب الحيوية للجمهور وتنقل شكاوى الشاكين وتولد الضجر بين الغوغاء، ومن خلالها أحرزنا النفوذ وكرسنا الذهب دون أن نظهر للعيان". العمود الفقري لحماية وتحصين كياننا الثقافي وهويتنا يقتضي العمل الدؤوب على عدة محاور تربوية وتعليمية وإعلامية، فضلا عن الإصلاح السياسي الشامل، وفي قلبه أن تفرز الشعوب خيرة أبنائها، بالطريق الديموقراطي ليقودوا مؤسسات صنع القرار السياسي. ونقتصر هنا على الحديث عن الاستخدام الأمثل لوسائل الاتصال والإعلام في عملية حماية الكيان الثقافي والهوية العربية والإسلامية. ونحن مع رأي القائلين بضرورة البدء بمستويات ثلاثة في هذا الموضوع: 1- الدراسات النظرية لما يتعرض له كيان الأمة الثقافي والقيمي من متغيرات عبر وسائل صنع وتوجيه الرأي العام. 2- الحاجة إلى تربية وتكوين وتدريب كوادر إعلامية لا يقل مستواهم المهني عن مستوى أقرانهم في العالم الأول.