«ليب 2025».. استثمارات بأكثر من 1.78 مليار دولار في اليوم الثالث    أمير القصيم يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقصيم    سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 12424 نقطة    السعودية تحقق قفزات عالمية في تطور الحكومة الإلكترونية    نائب أمير تبوك يرعى حفل مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بيوم التأسيس    الاتحاد العربي للإعلام السياحي راعي إعلامي لسوق السفر السعودي 2025 بالرياض    انتهاء مدة تسجيل العقارات ل (58) حياً بالرياض والمزاحمية والدرعية.. الخميس    الحكومة اللبنانية الجديدة تعقد أولى جلساتها برئاسة جوزيف عون    مرور جدة: القبض على مخالفين روجا الحشيش    القتل تعزيراً لمروج مواد مخدرة في المدينة    فهد بن محمد يستقبل قائد دوريات أمن الطرق بطريق الخرج المعين حديثاً    من رواد الشعر الشعبي في جازان: الشاعر مهدي بن قاسم فقيهي    قوات الاحتلال تعتقل 16 فلسطينيًا من الضفة الغربية    مانشستر يتوعد ريال مدريد.. الليلة    الأمم المتحدة تدعو إلى تجنّب استئناف الأعمال العدائية في غزة    الموافقة على تأسيس جمعية الميتاجينوم والميكروبيوم    قد تصبح «روسية» يوما ما.. لماذا صدم ترمب أوكرانيا؟    نهاية موسم موسى ديمبيلي في الإتفاق    هل يفسخ ليفربول عقد صلاح ؟    القادسية يحافظ على ميشيل جونزاليس    سمو ولي العهد يهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بذكرى اليوم الوطني لبلاده    تدشين القاعة التدريبية المشتركة بمركز التنمية في حائل    خادم الحرمين الشريفين يهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بذكرى اليوم الوطني لبلاده    «رونالدو» يحتفل بفوز «ميجيل» و«نونو» ببطولة البادل    "زين السعودية" توقع مذكرة تفاهم مع "نوكيا" بهدف تعزيز حلول الاستدامة    «الرياض» ترصد احتفالات مدارس تعليم الطائف ب«يوم التأسيس»    الذهب يتجاوز 2900 دولار للأوقية لأول مرة في تاريخه    منع استخدام سكاكين المقابض الخشبية في المطابخ المركزية    رئيس الوزراء الصومالي يغادر جدة    5 خطوات تضعك في حالة ذهنية مثالية    1,200 مصطلح متخصص في النسخة الثانية من «معجم البيانات والذكاء الاصطناعي»    «بوسيل» ضحية تعنيف.. أم خطة ممنهجة لتشويه تامر حسني ؟    أمير القصيم يرعى تكريم 27 من الطلبة الأيتام من حفظة كتابه الله والمتفوقين دراسيا    المواقف السعودية ثابتة لم تتزحزح    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    أمير الشرقية يتسلّم شهادة تسجيل "القرية الشعبية" ضمن موسوعة غينيس    نائب أمير مكة يطلع على خطة "التجارة" لرمضان    حادث يودي بحياة معلمة بالمدينة المنورة    رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون: منتدى الإعلام ينسجم مع الرؤية    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    منع بيع التبغ في الأكشاك والبقالات    "هاربن 2025": "أخضر الكرلنغ" يكتسح تايلاند مُسجلاً الفوز التاريخي الأول في الأسياد الشتوية    حرس الحدود ينقذ مواطنًا تعطلت واسطته البحرية في عرض البحر    Google عن Deepseek تقنيات معروفة ولاتقدم علمي    إيلون ماسك: سأستعمر المريخ    انطلاق فعاليات معرض الكتاب بجازان.. اليوم    زهرات كريهة الرائحة تتفتح بأستراليا    فصيلة الدم وعلاقتها بالشيخوخة    علاج مبتكر لتصلب الأذن الوسطى    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    جمعية الكشافة السعودية تُشارك في اللقاء الكشفي الدولي العاشر    عرب الصمت !    النمر العربي.. رمز التنوع الحيوي في المملكة وشبه الجزيرة العربية    فجر السعيد: أعتذر للعراق وأعتزل النقد السياسي    حسن التعامل    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع السعودي وثقافة الفوضى
نشر في البلاد يوم 05 - 09 - 2011

لا توجد علاقةً بين المجتمع السعودي من جهة وبين القيم الانضباطية والنظام من جهةٍ أخرى،هذا سيكون رأي من يقارن بين مجتمعنا وبين حال غالبية مجتمعات الدنيا،فطريقة حياة المجتمع السعودي تعتمد على مجموعةٍ من منظومات الفوضى المعقدة والدقيقة،فمنذ عشوائية الولادة وعدم التخطيط والاستعداد لها من قبل الأهل،ومروراً بحالات تبديل الأطفال العجيبة في مستشفياتنا المصونة!! ثم حالة الفوضى العامة في جميع مراحل العمر ومشاويره ،ونهايةً بفوضى الموت والقبور! وقد يبدو للمتأمل في طريقة الحياة السعودية أنّ هذا المجتمع عاشقٌ للفوضى وكارهٌ للنظام! ولكنّ الحقيقة أنّ الطبيعة البشرية في كل مكانٍ مياّلةٌ للفوضى ومبغضةٌ للقيود والواجبات،ولذلك فالنظام والانضباطية أمورٌ تحتاج إلى قوةٍ قادرةٍ ونافذة في بداية الأمر لزرعها في نفوس الناس وطبائعهم، ثم تحتاج بعد ذلك إلى مراقبةٍ تضمن عدم تفلت الناس منها وعودتهم إلى فطرتهم الميّالة للهمجية والفوضى،وفي مرحلة مابعد زراعة القيم ومراقبة نموها ودوامها سيتكون الوعي الجمعي الانضباطي الذي يشكل الضمانة الأكبر على تشكيل منظومةٍ القيم الانضباطية في المجتمع ومراقبتها والمحافظة عليها،كما سيقوم هذا الوعي المجتمعي بعملية التطوير والتنقيح المستمر التي تحتاج لها كل المنظومات والقيم والإخلاقية مما يمكنها من البقاء وملاءمة الناس وتلبية حاجاتهم. وفي تلك النقطة-أعني زراعة القيم والانضباط- أخفقنا في مجتمعنا السعودي ونجحت غالبية مجتمعات الدنيا،وسأحاول في مايلي أن أجيب عن سؤال: لماذا أخفقنا ونجح الآخرون؟
طوال العقود الماضية لم يكن هناك صوتٌ في مجتمعنا سوى صوت التيار الذي سيطر على مفاصل المجتمع وأماكن صناعة العقول وتكوين الشخصية الاجتماعية،وقد دأب البعض في هذا الخطاب على تشويه سلوك الناس والمبالغة في التحذير منهم، فقام بزرع الشك والتوجس في نفوس الخلق من بعضهم البعض،كما مارس القمع النفسي والاضطهاد المعنوي على جميع أشكال العفوية والفرح والبساطة،ثم قام بالترهيب المبالغ فيه والوعيد القاسي وغير المبرر تجاه كل ماكان في المجتمع من قبله.
كل هذه الأخطاء الكبيرة والمتواصلة التي وقع فيها مع غياب التهذيب والنظام كقيمٍ عليا من أدبيات هذا الخطاب ساهم كل ذلك في تشكيل الشخصية المضطربة والمتوترة والتي من أبرز صفاتها الأنانية المفرطة التي تخوّل صاحبها أن يتصرف وفق مصالحه وحاجاته فقط بغض النظر عن أحقيّته بها وبغض النظر عن تقاطعها أو تعارضها مع مصلحة الغير وحاجاتهم، فأصحاب هذه الشخصيات المضطربة يرون وقتهم أثمن من أوقات الآخرين ويرون حاجاتهم أكثر إلحاحاً من حاجات الآخرين ،ولذلك فهم لا يعترفون بنظام الأولوية ولا بثقافة الطابور والانتظار، فنحن نرى جيل التدين الظاهري والجاف والذي يتورع عن بعض الصغائر تورعاً عظيماً ويغلظ في انكارها والتشنيع على مرتكبها، بينما لا يتورع عن مخالفة الأنظمة واتّباع النمط الهمجي رغم تعارض هذا مع تعاليم الإسلام الكلية ومقاصده العليا،وهذا من آثار الصحوة في هذا المجتمع ومن جنايتها عليه.
ثم يأتي بعد ذلك فشل نظامنا التعليمي في زرع قيم النظام والانضباط في نفوس الناشئة،فجميع الأنظمة التعليمية في المجتمعات المتقدمة تحرص على زرع هذه القيم وتنميتها،كما تعلي من شأنها وتغلظ في معاقبة وردع من يتجاوزها،وهذا ليس متوفراً في نظمنا التعليمية التي تعتمد على الفوضى في جميع مناحيها الإدارية والتعليمية،وقد فشل نظامنا التعليمي أيضاً في زرع ثقافة التخطيط المسبق والنظر البعيد وهذا من أعظم جنايات هذا النظام التعليمي البالي والمتهالك الذي يدير العملية التعليمية وفق المبدأ الأرتجالي والعشوائي قصير النظر،ولذلك تعلم الفرد السعودي أن يقضي جل حياته مرتهناً للساعة الأخيرة في كل حدث،فالناس لا تخطط لإجازاتها وسفرياتها إلاّ قبل أيامٍ من موعد السفر،والناس لا تشتري ماتحتاجه للعيد والمناسبات سوى في الليلة الأخيرة قبل المناسبة،وقل مثل ذلك في المستلزمات الدراسية وجميع الأمور التي يستطيع الإنسان أن يخطط لها سابقاً من المناسبات والمواسم التي لها موعدٌ محدد يعرفه الجميع.
وقد أعان على تخلق ثقافة الفوضى لدينا في المجتمع السعودي وجود كثيرٍ من الأنظمة الحكومية المعقدة وغير المبررة،مما جعل الناس تحتال عليها وتتملص منها،ومع مرور الوقت أصبحت مخالفة الأنظمة العقيمة أمراً مستساغاً ومقبولاً من الجميع مما جعل الناس تخالف حتى الأنظمة الوجيهة والمنطقية والتي يجب أن يلتزم بها الناس، وهذه نتيجةٌ طبيعية لمن كان على علم بسلوك الأمم والتجمعات البشرية،وقد أنتجت هذا الأنظمة العقيمة ثقافة الواسطة الفجّة وجعلتها طابعاً واضحاً للفرد السعودي.
وحيثما تفشت الواسطة فستنجب الرشوة والفساد وهذا مانراه واقعاً اليوم،وبعد أن أصبحت قيادة المركبات في شوارعنا ضرباً من الانتحار وأصبح ضحاياها أكثر من ضحايا الحروب والكوارث!! تم تطبيق نظام ساهر، وهو النظام الأعظم والأكثر نفعاً في تاريخ السعوديين،فلا دور للعنصر البشري والواسطة فيه ولا فرق بين سائقٍ وآخر،وكم يتعجب المرء حينما يرى المعارضة العنيفة له من أغلب أفراد المجتمع!! ورغم بعض الأخطاء الفنيّة في النظام إلاّ أنّ معارضته بهذا الشكل لا تدل إلاّ على أمرٍ وحيد وهو أنّ الفرد السعودي تشرّب الفوضى فلم يعد يطيق صبراً على النظام ولو كان لحفظ حياته،وهذه أعلى درجات الفوضى والهمجية،فنظام ساهر ليس غراماتٍ تفرض على الناس بل هو عقوبةٌ للمخالفين فكيف يحتج أحدٌ على عقاب المخالف الذي يهدد حياة الناس؟؟ وقد عارضوه بدعوى أنّ ذوي الدخل المحدود يصعب عليهم تسديد مخالفاتهم!! وكأنّ ساهر ضريبة تم فرضها عليهم وليس مخالفة تستطيع تركها والالتزام بالإنظمة ولن يأتيك أحدٌ ليطالبك بمخالفةً لم ترتكبها، وعارضوه بغير ذلك من الحجج الواهية والأعذار الغريبة كتصوير النساء وغيرها من السخافات المضحكة! والتي تفسر لنا كيف أصبح مجتمعنا يضيق بالنظام ويتبرم منه ويختلق الحجج والأعذار لمخالفته،ومن كان في شكٍ من أمر مجتمعنا وفوضويته العجيبة فليجرب أن يذهب في أيام الأعياد أو المناسبات إلى أحد المجّمعات التجارية التي أصبحت أكثر من المستشفيات والجامعات في بلدنا ثم لينظر كيف يتصرف رواد هذه المجمعات وكيف يبدعون من صنوف الفوضى مالم يسبقنا إليه شرقٌ ولا غرب،ثم ليجرب أن يتصرف بنظامٍ وتهذيب وسيكتشف كيف يتم نبذه والاستغراب منه بوصفه نقطة نظامٍ بيضاء في سواد الفوضى الطاغية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.