انتشرت في هذا الزمان فوضى الأسماء،وأقصد بذلك أن يُطلق اسم له معنى على مُسمى يخالف هذا المعنى شكلاً ومضموناً. وهذه الأسماء قد تطلق على برامج أو مشاريع أو دورات أو ندوات أو أفكار أو جهات أو حتى أشخاص. والهدف من إطلاق أسماء على مسميات تخالفها هو تحقيق مكاسب تجارية أو فكرية أو حزبية أو غير ذلك ؛ولو كان ذلك عن طريق تضليل الرأي العام أو عن طريق دس السم في العسل كما يقال. ومنشأ هذا التضليل هو احتقار وازدراء عقول الآخرين ،فمن يُطلق هذه الأسماء يظن أن المتلقي لا يملك من العقل والفكر ما يستطيع أن يميز به بين جودة ورداءة المحتوى ومدى مطابقته للاسم. وفوضى الأسماء مظهر من مظاهر الاهتمام بالشكليات والمناظر وقصر النظر عن الجوهر والمخبر . وفوضى الأسماء لها جذور تاريخية يرجع بعضها إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛فعندما بنى المنافقون مبنىً يجتمعون فيه للضِرار وكيد المسلمين أطلقوا عليه اسم (مسجد)وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه لإكسابه الصفة الشرعية ؛لكن الله جل شأنه فضح مخططهم وبين نوع هذا البناء والمقصود منه ،فقال عز من قائل :(والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ))التوبة (107). فكانت من جملة الفوائد المستقاة من هذه الآية الكريمة أن نحذر فوضى الأسماء وأن لا نغتر بدلالة الاسم مالم توافقه دلالة المحتوى. وهذه الفوضى تدعونا للتركيز على المحتوى والنظر في الجوهر. وعدم الانسياق وراء دعاوى المؤيدين وحجج المعارضين لأمر من الأمور مالم يكن لكلام أحدهم مستند من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال أهل العلم الراسخين هذا في الأمور الدينية ؛أما في الأمور الدنيوية فكلام أصحاب الاختصاص مقدمٌ ما لم يخالف الشرع الحنيف. أما إطلاق الأسماء تفاؤلاً فلا يصنف ضمن هذه الفوضى ؛لأن من يطلقون الاسم يسعون إلى الوصول إلى مسمى يوافقه أو يقاربه على أقل تقدير. نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . [email protected]