حزنت أشد الحزن لوفاة استاذي الجليل عبدالله احمد عبدالجبار، المعلم الأديب الناقد، موسوعي المعرفة وعميق الفكر رحمه الله، هذا العملاق الذي اثرى المكتبة العربية بما أبدع، حينما كتب لأول مرة كتاباً في النقد مادته شعر ونثر لأدباء هذا الوطن الذي نعته بحق قلب الجزيرة العربية، فكان الكتاب النقدي الاول عن التيارات الادبية الحديثة في وطننا، والذي بقي كتابه هذا مرجعاً للنقاد عن ادب المملكة العربية السعودية، وكتب قصة الأدب في الحجاز متجاوزاً العصور إلى زمن البدايات، وكمعلم مربٍ ارتاد مجال المسرح فكتب مسرحية الشياطين الخرس لتكون مثالا يحتذى، فطارت بذكرها الاجيال، وكتب القصة حينما لم يكن في الوطن من يكتبها لتحتذي بما كتب الاجيال بعده، وصرخ فيهم عبر مقال احدث ضجة، وتردد صداه في ارجاء عالمنا العربي كله، عنوانه اديب الساعة الخامسة والعشرين، مستنهضا الهمم لنصرة الأوطان، معرفاً العروبة بأنها في جوهرها تربط بين الكلمة وكرامة الانسان وحريته، في زمن كانت جل بلادنا العربية ترزح تحت نير الاستعمار، وقد واجه هذا الاستعمار بالتحذير من غزوه الفكري، الذي يصرف به الانظار عن أهم مطالب الانسان العربي، فأستاذي الجليل عبقري عملاق لم يعرف وطنه حقه حتى هذه اللحظة، التي اصبح جسده الطاهر مغيباً في مقابر الاحباب "المعلاة" ولكنه لا يزال حاضرا وسيظل، يطل علينا عبر كل ما ابدع، وعبر خلق رفيع وسلوك راق قلما يوجد مثله بين البشر في هذا الزمان، وحزني ازداد يوم ان ذهبت لوداعه في مقابر المعلاة، فوقفت ادير النظر في من حولي فلا ارى من هؤلاء الذين ملأوا الفضاء ضجيجا عن الادب والنقد، ونهلوا من علم الرجل وادبه ونقده الا ما ندر، فعلمت عن يقين أن الساحة خلت من مثله من النبلاء العظام، الذين يفون لأعظم رموز بلادهم الفكرية اثرا، فما عاد لهم اليوم وجود في هذا الزمان، ولاني ممن اقترب منه جداً لسنوات طويلة فإني على يقين انه لا يأبه للجاحدين، وهو عظيم الاوفياء لا يطلب من احد ان يتصنع له الوفاء، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والعزاء للوطن كله ولاسرته، وحزني لفقده عظيم. ص.ب: 35485 جدة: 21488 فاكس: